نمو الإنفاق العالمي على التسلح رغم التباطؤ الاقتصادي
الصين تنافس أميركا وروسيا وتقود سباق تسلح في آسيا
نمو الإنفاق العالمي على التسلح رغم التباطؤ الاقتصادي
لا يبدو أن تباطؤ نمو الاقتصادات الناشئة سينعكس سلباً على الإنفاق العالمي على التسلح في عام 2016، اذ تشير التوقعات إلى أن ميزانيات الدفاع لمعظم الدول ستواصل نموها على الرغم من تراجع النفقات العسكرية في الولايات المتحدة وروسيا، الدولتان الاقوى عسكرياً في العالم.ويشكل التفوق الكبير للجيش الأميركي على بقية جيوش العالم من الناحية التكنولوجية دافعاً قوياً للدول الكبرى لزيادة نفقاتها العسكرية على المدى البعيد، الا أن زيادة حدة التوترات بين روسيا والغرب على خلفية الأزمة الأوكرانية والخلافات الحدودية بين الصين واليابان والصراع في الشرق الأوسط والتجارب النووية المتكررة في شبه الجزيرة الكورية كان لها الدور الاكبر في زيادة حجم الاتفاق الدفاعي العالمي في العامين الماضيين وأججت المخاوف من عودة سباق التسلح بين الدول الكبرى في المستقبل القريب، خصوصاً بعد أن أظهر تقرير لمعهد “جينز” أن النفقات العالمية الدفاعية سترتفع إلى 1680 مليار دولار في العام الحالي مدعومة بشكل أساسي من زيادة الانفاق في منطقة آسيا والمحيط الهادئ التي ستكون المحرك لنمو الميزانيات الدفاعية في العالم خلال السنوات الخمس المقبلة.
أميركا في الصدارة
شهد الانفاق العسكري الأميركي تراجعاً ملحوظاً في السنوات الماضية التي تلت الأزمة المالية العالمية ،حيث ركّزت ادارة الرئيس باراك أوباما على تعزيز النمو الاقتصادي الأميركي وتقليص مستويات البطالة بالتزامن مع تقليص الحضور العسكري الأميركي في المناطق التي تشهد صراعات وحروب كمنطقة الشرق الأوسط. لكن رغم ذلك لا تزال الميزانية الدفاعية الأميركية تحتفظ بالمركز الأول عالمياً (596 مليار دولار في عام 2015 بحسب معهد ستوكهولم لأبحاث السلام SIPRI) وتشكل 35.6 % من حجم الانفاق العالمي على التسلح البالغ 1676 مليار دولار، ومن المتوقع أن تتراجع بشكل طفيف في العام الحالي (0.2%) وتبلغ 595 مليار دولار بحسب معهد جينز، الأمر الذي يشير إلى أن الولايات المتحدة ستواصل انفاقها السخي على التسلح في السنوات المقبلة لمواجهة القوة الصينية الصاعدة والحدّ من تمدد النفوذ الروسي في أوروبا والشرق الاوسط.
الصين محرك النمو
بعد أن فرضت نفسها لاعباً رئيسياً على الساحة الاقتصادية العالمية، تسعى الصين اليوم الى تعزيز مكانتها كقوة عظمى عبر تحديث وتوسيع جيشها الذي يعد الاضخم من حيث العدد على مستوى العالم.وعلى الرغم من كون الصين ثاني اكبر اقتصاد في العالم خلف الولايات المتحدة ويقدر ناتجها الاجمالي بـ 11.38 تريليون دولار بحسب صندوق النقد الدولي، غير أن ميزانيتها الدفاعية لعام 2015 والبالغة 215 مليار دولار (وفقاً لمعهد ستوكهولم) تشكل 36% فقط من ميزانية الدفاع الأميركية.رغم ذلك، لا تزال الصين تحتفظ بالمركز الثاني عالمياً في الانفاق على التسلح خلف الولايات المتحدة، وتتفوق بفارق كبير على السعودية في المركز الثالث (87.2 مليار دولار) وروسيا في المركز الرابع بـ 66.4 مليار دولار بحسب المعهد السويدي.وتعتزم بكين زيادة انفاقها على التسلح رغم تباطؤ نموها الاقتصادي إلى 6.9% وهو أدنى مستوى في 25 عاماً، اذ أعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية هونغ لي في آذار/مارس الماضي أن بلاده زادت ميزانية الدفاع بنسبة 7-8% لعام 2016 ، مشيراً إلى أن “هذه الزيادة تأتي من حقيقة أن الإنفاق الدفاعي يجب أن يكون معقولا، حيث أن الميزانية العسكرية تتفق مع النمو الاقتصادي”. لكن لي أكد في المقابل ان بلاده حريصة على إبقاء حجم نفقاتها الدفاعية تحت السيطرة، معتبرا أن ميزانية الدفاع الصينية “متواضعة نسبيا” بالمقارنة مع باقي دول العالم.وأشار لي الذي تبوأ في السابق منصب وزير الخارجية إلى أن ميزانية الدفاع تمثل 6% من مجمل الميزانية الوطنية الصينية، منوّها بأن “هذا لا يشكل أي تهديد لأي بلد، مشددا على أن سياسة الدفاع الصينية دفاعية في طبيعتها“.تصريحات لي جاءت منسجمة مع مواقف صينية سابقة تؤكد أن التكنولوجيا العسكرية الصينية متأخرة 20-30 عاما عن الأميركية، وأن عملية تحديث الجيش الصيني هدفها الوحيد هو “الدفاع”. لكن الوقائع تناقض مواقف بكين بشكل متزايد، اذا يرى بعض الخبراء أن الصين بتزودها بمعدات عسكرية متطورة وبقيامها ببناء حاملات طائرات تهدد تفوق الولايات المتحدة في المحيط الهادئ وتثير مخاوف جيرانها خصوصاً اليابان التي زادت انفاقها العسكري بشكل كبير في العام الماضي الى 40.9 مليار دولار لتحتل بذلك المركز الثامن عالمياً في حجم الانفاق وفقاً لبيانات معهد ستوكهولم .
روسيا تخفض الانفاق وتزيد الصادرات
فاجأت روسيا الكثير من المحللين الغربيين بقدرتها على مواصلة دعم حلفائها في اوروبا وتمويل عمليتها العسكرية في سورية على الرغم من انكماش اقتصادها بنسبة 3.7% في عام 2015 وتراجع ايراداتها النقدية بأكثر من 60% منذ منتصف 2014 نتيجة الانخفاض الكبير في أسعار النفط ، الأمر الذي دفعها إلى خفض موازنتها الدفاعية لعام 2016 بنسبة 5%.خفض الموازنة العسكرية الروسية كان بمثابة انتكاسة لخطة وضعها الرئيس فلاديمير بوتين عام 2011، حينما كان رئيسا للوزراء، تهدف لتنشيط الجيش الروسي وتحديث تسليحه من خلال إنفاق 23 تريليون روبل (حوالي 345 مليار دولار) بحلول 2020 ،واستعادة المجد العسكري لروسيا الذي حققته في زمن الاتحاد السوفيتي.رغم ذلك، تعتبر الميزانية العسكرية الروسية الأضخم بين ميزانيات الدول العظمى بالمقارنة مع حجم الناتج المحلي، اذ بلغت 66.4 مليار دولار في 2015 (بحسب معهد ستوكهولم) ،أي انها تشكل 5.4 % من اقتصاد روسيا (الذي يقدر حجمه بـ 1.23 تريليون دولار وفقاً لصندوق النقد) ، في حين تشكل النفقات العسكرية الصينية 1.9% فقط من حجم اقتصاد الصين (11.38 تريليون دولار)، وتشكل هذه النسبة 3.3 % بالنسبة للاقتصاد الأميركي الذي يقدر حجمه بـ 17.96 تريليون دولار، و 1.94 % بالنسبة لاقتصاد بريطانيا (2.86 تريليون دولار) و 2.1 % بالنسبة للاقتصاد الفرنسي (2.42 تريليون دولار) ،و1.17 % بالنسبة لألمانيا التي أنفقت نحو 39.4 مليار على التسلح في عام 2015 في حين يقدر حجم اقتصادها بـ 3.37 تريليون دولار.وشكلت الحرب في سورية فرصة لموسكو لاستعراض قدراتها العسكرية وتجربة أسلحتها واثبات جدارتها بهدف الحفاظ على زبائنها التقليديين واكتساب زبائن جدد واختراق أسواق هيمنت عليها الشركات الغربية لفترة طويلة كالسعودية والامارات.في هذا الاطار، كشفت صحيفة “كوميرسانت” الروسية أن موسكو ستغطي نفقات الحملة العسكرية التي شنتها ضد الإرهاب في سورية والبالغة نحو 500 مليون دولار(0.75% من النفقات العسكرية الروسية) من صفقات بيع الأسلحة، مشيرة إلى أن روسيا بصدد توقيع عقود أسلحة جديدة مع دول عديدة بقيمة تتراوح ما بين 6 و7 مليار دولار.ونقلت الصحيفة عن مصدر مقرب من هيئة الصادرات العسكرية الروسية قوله: “في سورية، حققنا هدفين، الأول أننا أثبتنا تمتعنا بقدرات قتالية عالية وامتلاكنا لتكنولوجيا عسكرية متطورة ما جذب المشترين. أما الهدف الثاني الذي حققناه فهو أننا اختبرنا أكثر من نصف أسطولنا العسكري في ظروف قتالية صعبة“.وتابعت “كوميرسانت” نقلا عن مدير مصنع “شكالوف نوفوسيبيرسك” الروسي للطائرات الحربية سيرغي سميرنوف، أنه بعد بدء الحملة العسكرية الروسية في سورية، طلبت الجزائر من روسيا 12 قاذفة من طراز “سو 32” في ديسمبر/كانون الأول 2015 ، مضيفا أن المفاوضات كانت تجري ببطء شديد في السنوات الثماني الماضية إلا أن العملية العسكرية شجعت الجزائر على اتخاذ قرارها وأعطت زخما إيجابيا للصفقة“.وفي موازاة هذه المفاوضات طلبت الجزائر من روسيا تزويدها بـ”سو-355 أس”، وأبدت اهتماما بشراء 10 مقاتلات منها على الأقل بما بين 850 و900 مليون دولار.كما أبدت كل من إندونيسيا وفيتنام وباكستان اهتمامها بشراء القاذفة الروسية “سو-35″، لاسيما وأن لديها خبرة في تشغيل الطائرات السوفيتية.وعلى صعيد الشرق الأوسط، وقعت مصر مع روسيا عقدا لشراء 46 مروحية من طراز “كا- 52″، وأثار ظهور منظومة الصواريخ الروسية في سورية “S-400” اهتمام المملكة العربية السعودية، التي تسعى إلى تزويد جيشها بهذا السلاح النوعي، كما تسعى منذ العام 2015 لشراء منظومة “إسكندر-إي“ للصواريخ الهجومية التكتيكية التي ظهرت في قاعدة “حميميم“ السورية.وكانت المقاتلة القاذفة “سو-34” الرابح الأكبر من الحملة الروسية ضد الارهاب، اذ كشف نائب رئيس شركة “روس أبورون إيكسبورت”، سيرغي غوريسلافسكي، أن عدة دول في الشرق الأوسط تجري محادثات لشراء هذه الطائرة.
سلاح سري
نشرت صحيفة ” The Daily Beast” الأميركية مقالاً جاء فيه أن قوات الجيش السوري التي حررت تدمر من تنظيم “داعش” الارهابي تلقت دعما ملموسا من مروحية روسية متطورة من طراز “مي – 28” الأمر الذي مثل أول عرض قتالي لهذه المروحية المسلحة بالمدافع والصواريخ والتي تعتبر الرد الروسي على مروحية “أباتشي” الأميركية.وتمتلك مروحية “مي – 28” كاميرا عاملة بالأشعة تحت الحمراء وأخرى للرؤية البصرية، وهي مزودة بمدفع رشاش من عيار 30 ملم، وقادرة على حمل ما لا يقل عن 8 صواريخ موجهة مضادة للدبابات تتصف بدقة عالية، فضلا عن 10 صواريخ شديدة الانفجار، فيما تستطيع التحليق بسرعة 200 ميل في الساعة.
عودة النمو الى أوروبا
بعد تراجع نفقاتها العسكرية بنسبة 1.3% سنوياً منذ عام 2010 بسبب الأزمة الاقتصادية، بدأت بوادر الاستقرار تظهر في أوروبا ،حيث دفعت الأزمة الأوكرانية دول أوروبا الغربية إلى زيادة انفاقها العسكري لمواجهة التمدد الروسي في الشرق، وهو أمر تؤكده المحللة لدى “آي إتش إس” فينيلا ماغيرتي التي تتوقع أن تدخل أوروبا “مرحلة نمو” بعد أن شهدت النفقات المرتبطة بالدفاع استقراراً في العام الماضي.وكانت بولندا قد رفعت انفاقها العسكري بنسبة 22% في 2015، وليتوانيا بنسبة 33% ، وسلوفاكيا بنسبة 17% ، ما أدى إلى زيادة إجمالية بنسبة 13% في دول وسط أوروبا، في ظل تراجع بنسبة 1.3% في دول غرب أوروبا، حسبما كشف المشرف على تقرير معهد ستوكهولم، سام بيرلو.
الشرق الأوسط وسباق التسلح
على الرغم من العجز الكبير في موازنات الدول النفطية الشرق الاوسطية نتيجة تراجع أسعار النفط، من المتوقع أن يواصل الانفاق العسكري في المنطقة نموه في السنوات المقبلة بسبب تزايد حدة الصراع بين الدول الخليجية وايران.في هذا السياق ، قالت صحيفة صنداي تلغراف البريطانية في آذار/مارس 2016 إن ثمة خطرا حقيقيا الآن يتمثل في أن السعودية وحلفاءها سينخرطون في مواجهة عسكرية وصفتها بالخطيرة مع إيران، مشيرة إلى أن الاتفاق النووي الايراني أطلق العنان لسباق تسلح جديد بالمنطقة خصوصاً وأنه يتيح لطهران مواصلة العمل على تطوير صواريخها الباليستية.وذكرت الصحيفة أن الدول العربية المتحالفة مع الغرب تتخوف من أن تشرع ايران في تعزيز وتطوير قدراتها العسكرية اعتمادا على مبلغ الـ150 مليار دولار التي حصلت عليها بعد رفع العقوبات عنها، لافتةً إلى ان هذه الدول ستنفق المليارات على تطوير درع مضاد للصواريخ الباليستية خاص بها.
داني حريز
مجلة البنك والمستثمر
العدد 185 _ شهر أيار 2016
تعليقات الفيسبوك