وزير التنمية الإدارية السوري حسان النوري لـ”البنك والمستثمر”
وزير التنمية الإدارية السوري حسان النوري لـ”البنك والمستثمر”:
الإصلاح الاقتصادي والتنمية الإدارية يسيران معاً لبناء سورية
قال وزير التنمية الإدارية السوري الدكتور حسان النوري أن قناعة الرئيس بشار الأسد بأهمية التنمية الإدارية والإصلاح الإداري وتبنيه لهذا المشروع ساهم كثيرا في إنجاح العمل وفتح أبواب المؤسسات والإدارات العامة أمام عملية التنمية الإدارية التي ستؤتي ثمارها من خلال نتائج تنعكس على المؤسسات الإدارية والاقتصادية، لافتا إلى أن النتائج بدأت بالظهور في مجموعة من الوزارات لا سيما منها وزارتي النقل والكهرباء.وأكد في حوار مع مجلة البنك والمستثمر أن العمل على تحديد الهوية الاقتصادية السورية وتحديث الواقع الاقتصادي السوري قائم ومستمر ويسير بوتيرة جيدة، حيث تعمل الوزارة على جملة من المشاريع النوعية وضعت قيد التنفيذ.
وفي ما يلي نص الحوار:
قياساً للظروف الراهنة هل ترون الوضع العام مناسب لمشاريع الإصلاح والتنمية الإدارية ؟
الإصلاح والتنمية الإدارية ملفان لا علاقة لهما بظرف ما أو زمن ما أو واقع ما، بل يجب أن يبقيا جزءاً أساسياً من عمل الدولة ومؤسساتها، فمشاريع التنمية الإدارية والإصلاح الإداري ترفع من مستوى الإدارة العامة الموجود حاليا إلى القدرة على المساهمة في عملية الإعمار وبناء سورية الجديدة والمتجددة، وبالتالي لا يمكن القول أن هذا الموضوع يتوقف على زمن أو مرتبط بأزمة بل كان يجب المضي فيه منذ زمن وبشكل مستمر، وحتى في لحظات القوة يجب أن يوجد مشروع تأهيل إداري مستمر مبني على تحديث الإطار المؤسساتي. ونحن بحاجة لمواكبة المتغيرات التي تؤثر على مؤسساتنا الوطنية.
هل استطعتم تحقيق اختراق في هذه الناحية؟
بالطبع حققنا اختراقاً كبيراً في مشروع وضع البنية التحتية وأساسات مشروع التنمية الإدارية للمرحلة المقبلة لجهة أننا استطعنا الوصول إلى لغة جامعة مع الحكومة السورية ككل حول الخطة الوطنية للتنمية الإدارية وحققنا التفاعل من خلال مشاريع الجدارة القيادية، حيث بدأنا تنفيذ العديد من المشاريع الرائدة في العديد من المؤسسات، منها مرفأ طرطوس في وزارة النقل وجامعة تشرين في وزارة التعليم العالي والشركات الإنشائية الستة في وزارة الأشغال العامة وكذلك وزارات الشؤون الاجتماعية والنفط والثروة المعدنية والصناعة والكهرباء، وكذلك وزارات الزراعة والإصلاح الزراعي والتجارة الداخلية وحماية المستهلك، كما بدأنا التعاون مع وزارة العمل ونعمل ضمن الإطار نفسه على استصدار تشريعات ذات صلة بالعاملين في القطاع العام كالقانون الأساسي رقم 50 وقانون المراتب الوظيفية الذي سنعمل عليه عندما يصبح الوقت مناسبا لطرحه بشكله الكامل على اعتبار أن هذا القانون هو جوهر التنمية الإدارية.
وزارتكم حديثة وتعلنون عن مشاريع على مستوى الدولة وبنيتها الإدارية؟
بالفعل، فقد أتى كل هذا العمل خلال عام ونصف العام من عمل وزارة التنمية الإدارية، مع التأكيد أن توجيهات القائد الدكتور بشار الأسد كان لها التأثير الكبير في إنجاح مشاريع التنمية الإدارية وسيادته يمارس فعلاً دور القائد العام للتنمية الإدارية في سورية وهو موضوع مهم، كما اهتم بمساعدة مشاريع التنمية الإدارية والإصلاح الإداري لتأخذ تموضعها ضمن مؤسساتنا الوطنية.
ألم تواجهوا صعوبة في تغيير العقلية السائدة؟
لا شك في أن كل جديد صعب وغير مقبول في المرحلة الأولى، فالمعرفة الإدارية أو الإصلاحية، خاصة في المجالين الإداري والاقتصادي، هي معرفة مركّبة، لذلك هي صعبة وليست سهلة، لكن تعاون الدولة والمؤسسات والمجتمع الأهلي لإنجاح مشروع التنمية الإدارية كان واضحاً وظاهراً. صحيح أننا نعاني محدودية الإمكانيات وعدم مواءمة الوقت لمشاريع التنمية الإدارية كلها بالنظر إلى أن أحد أسس مشاريعنا هو تحسين واقع الرواتب والأجور لدى عاملي الدولة وهو موضوع مهم جدا، ولكن بسبب ظروف الأزمة وقناعة المجتمع الإداري في سورية، وخاصة عاملي القطاع العام تولّد الحماس والدافع للمساهمة في مشاريع التنمية الإدارية بشكلها الكامل، مع الأخذ بعين الاعتبار أننا لا نعمل من فراغ بل نعمل على مشاريع عميقة ومهمة ومثالها الأبرز المنظّمة المعرفية وهو مشروع رائد، كما نعمل على تأهيل كوادر تدريبية معرفية في كل وزارة ومؤسسة بحيث إذا أهّلنا 50 كادراً تنموياً في كل وزارة (يسمون مولّدي معرفة) سيكونون بمثابة النواة ونعطيهم الدعم ليصبحوا مولّدي معرفة بشكل حقيقي ويدربون مؤسسات الوزارة التي يوجدون فيها وهنا نكون قد وصلنا إلى منظومة معرفية موضوعة ضمن إطار صحي.
ماذا تعني المنظمة المعرفية؟
نحن بحاجة لتوليد المعرفة الإدارية وتفهم مشروع التنمية الإدارية، فهناك خطأ شائع يتكرر أن وزارة التنمية الإدارية تدخل إلى الوزارات والمؤسسات وتنفذ مشاريعها، وهذا غير صيح البتة، فالوزارة عبارة عن وعاء ناظم وضابط لهذا المشروع في حين أن الوزارات المستهدفة هي التي تنفذ المشاريع ضمن مؤسساتها وبالتالي عندما نعمل على واقع المنظمة المعرفة فنحن بحاجة لمولّدي معرفة وقد لا يكون هؤلاء بالكفاءة الكاملة لنقل المعرفة ولكننا نعينهم ونساعدهم وتأتي وزارة التنمية الإدارية لتضع التراكم المعرفي لهم.
يلاحظ أن اهتمامكم انصب على مشروع التنمية الإدارية في مرفأ طرطوس أكثر من غيره، ما السبب في ذلك؟
لقد كنا محظوظين في أن وزير النقل الدكتور غزوان رفعت خيربك كان مديراً عاماً لمرفأ طرطوس، فكانت الغيرية التي تملكت الوزير باتجاه المرفأ استثنائية وكانت حافزاً، ولذلك عملنا على المشروع رغم أنني سمعت كلاما كثيرا عن كون المشروع في المرفأ معقّد ومركّب وليس من مصلحة الوزارة أن تبدأ مشاريعها بـ”عقدة”، ولكن وجود إدارة متميزة في المرفأ ووجود وزير مطّلع على نشاط المرفأ ساعدنا كثيراً في إنجاح هذا المشروع، ونأمل قريبا في أن نطلق بانوراما مشروع التنمية الإدارية في المرفأ. ولا يقتصر نشاطنا في مجال النقل على المرفأ لوحده بل العمل جارٍ على قدم وساق لإقامة ورشة عمل كبيرة في قطاع الطيران ضمن وزارة النقل تشمل المؤسسة العامة للطيران المدني وشركة الطيران العربية السورية، حيث نحضّر للإطار العام لها مع كوادر النقل لتنفيذ المشروع بالنظر إلى أن قطاع الطيران اليوم هو جزء من هوية سورية وواجهتها وصورتها ويجب أن يكون على أعلى مستوى. ورغم معرفتنا بالصعوبات التي تعاني منها شركة الطيران السورية إلا أننا قادرين على القيام بتأهيل كامل لمؤسسات هذا القطاع لتكون سلطة الطيران المدني نموذجاً ويمكن القول أننا بدأنا نلمس تفاعلاً حقيقياً في كل الوزارات، ولا سيما وزارة الكهرباء، وبالتالي نتحدث هنا عن بنية متكاملة في القطاع العام.
متى نستطيع الحصول على الصورة المتكاملة لمشروع التنمية الإدارية؟
يمكن القول أن هذه الصورة ستكون متكاملة خلال سنوات خمس ومن ضمنها العام الحالي (2016) باعتباره عام مشاريع الجدارة القيادية الذي ينفذ مع كل مؤسسات الدولة من خلال جلسات حوار لكل معاوني الوزراء والمديرين العامين والمديرين المركزيين والذين يصل عددهم حالياً إلى 900 (فقط في دمشق والمناطق القريبة منها) لتأهيلهم. وقد ثبت لنا أن دخولنا من غير بوابة القيادات العليا في كل مؤسسة ووزارة سيخلق صعوبات كبيرة، لذلك أتينا بهم إلى وزارة التنمية الإدارية لبحث مواضيع ذات شفافية عالية بخصوص الممارسات القيادية على اعتبار هذه القيادات تمثل مستقبل سورية.
اتهمتم في مرحلة من المراحل باعتمادكم على قيادات غير شابة، ما تعليقكم؟
يجب البحث عن الخبرة، فهؤلاء هم الحاضنة الأساسية للصف الثاني من القيادات الإدارية ولا بد من خلق ثقافة مؤسساتية لمؤسساتنا الوطنية واحترام هذه الخبرات المتراكمة في كوادر قيادية حافظت على انتمائها الوطني طيلة سنوات الأزمة وعملت على صون المؤسسات حتى بالشهادة وتقديم الدماء، ولكن عليهم امتلاك تأهيل قيادي جديد ليواكبوا مرحلة بناء الوطن في فترة ما بعد الأزمة والتي أصبحت على الأبواب ولم نعد نستطيع انتظار انتهاء الأزمة بكلّيتها ليتسنى لنا العمل على تأهيل هذه القيادات الإدارية.
هل تقصدون أن القيادات الحالية بحاجة لتطوير مهاراتها بما يواكب الحداثة لتتمكن من إعمار سورية؟
برأيي يجب أن يواكبوا التحديات التي تمر بها سورية من عوامل سياسية واقتصادية وإدارية واجتماعية وتقانية شاملة، وكلها أدت إلى قيام تحدٍ جديد للمهارات القيادية المطلوبة في المرحلة المقبلة، فاليوم لا نبحث عن أخرين فهذه هي الكوادر الوطنية الموجودة وتحتاج لإعادة تموضع وتأهيل. وتأسيسا على ذلك علينا أن نضع البرنامج الوطني الذي يتناسب مع هؤلاء. وعندما كنا نتحدث بذلك قبل سنة لم يكن البعض يأخذ هذا الكلام على محمل الجد ولكننا اليوم بدأنا به في دمشق وسنبدأ به قريبا في اللاذقية وطرطوس بمشاركة 100 شخصية قيادية في القطاع العام، ونعمل أيضا على كوادر قيادية في حلب ونزودهم بالمهارات القيادية المطلوبة، لا سيما منها مهارات فض النزاعات التي ولّدتها الأزمة وصناعة القرار القيادي وإدارة الأزمة وآليات وأسس تطوير الإدارة العامة والتحديث والتخطيط الاستراتيجي للمرحلة المقبلة للوصول إلى مشروع نوعي يطبّق على مساحة سورية ومؤسساتها وهو مشروع نظام إدارة الأداء، وللوصول إليه يجب التركيز على تغيير الهيكل التنظيمي للمؤسسات فكثير من مهامها غير واضح للمرحلة المقبلة وكل مهمة لها متطلب عمل والمتطلب يولّد نوعية يحتاجها من الموارد البشرية وكل مورد نضعه ضمن كود وظيفي أو تصنيف وظيفي، وكل تصنيف يجب أن ينتهي بتوصيف وظيفي، والتوصيف يجب أن يكون ضمن منظومة إدارة الأداء على أعلى مستوى لتخطيط وتشخيص وتقييم الأداء ومن ثم تطويره، فمن غير الممكن الانتقال من مرحلة الأداء إلى التقييم بل يجب السير بتسلسل منطقي للعملية الإدارية والتنموية في سورية بالتوازي مع تغيير المنظومة السلوكية باعتبارها واجب وضرورة للمرحلة المقبلة.
تحدثتم عن دعم الرئيس لمشروعكم، هل اقتصر الدعم على تنفيذ التنمية الادارية؟
كافأ الرئيس وزارة التنمية الإدارية بمكرمة وهو برنامج إدارة الموارد المؤسساتية وكلف الوزارة تطبيق هذ المشروع على مستوى مؤسسات الدولة وهو ما نعمل عليه من خلال فريق وطني يمثل كل الوزارات بقيادييها ليس للتنفيذ في وزاراتهم فقط بل في كل مؤسسات الدولة، كما نعمل على مشروع تحليل معلومات إدارة موارد المؤسسات للوصول إلى إدارة ناجعة أكثر كفاية وأكثر فاعلية، ولذلك وضعنا للبرنامج محوراً محدداً واستقطبنا أهم خبرات سورية في هذا المجال وكلفناها قيادة هذا المحور وإدارته.
كيف ستنعكس مشاريعكم على المردود في المؤسسات والإدارات الاقتصادية؟
لا شك أن مشاريع التنمية الإدارية في وزارات الصناعة والزراعة والتجارة الداخلية وحماية المستهلك على أعلى مستوى ولدينا اليوم نحو 150 مرشحاً من الكوادر القيادية العليا في وزارة المالية، وكذلك أشركنا وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية في مشروع الجدارة القيادية على مستوى معاون الوزير مع الأخذ بالاعتبار أن دورنا لا يتجاوز التأهيل المؤسساتي والتأهيل الاداري والبشري ولا تقوم الرغبة لدينا في التدخل سواء من خلال جلسات مجلس الوزراء أو بقية القنوات في الرؤية الفنية والتنفيذية لكل وزارة نيابة عن وزراء الحكومة، فكلهم يعمل بجد واجتهاد مع التأكيد أن العمل على تحديد الهوية الاقتصادية السورية وتحديث الواقع الاقتصادي السوري يسير بشكل منطقي ومعقول، ويجب أن يواكب كل ذلك وعاء إداري ومؤسساتي قادر على تحمل هذه المشاريع، فكل الوزارات لا تسير بالوتيرة نفسها ولا يتساوى جميع الوزراء في وتيرة الاندفاع رغم اتفاق الجميع على أهمية التنمية الإدارية، ولكن التسارع يختلف، وقد وضعنا الآليات التي تضمن تحقيق انضباط السرعات الكبرى في بعض الوزارات للتنسيق، في حين نحاول تسريع الوتائر المتباطئة في بعض الوزارات، ومثال ذلك ما وضعناه في مشروع المنظمة المعرفية من سرعات ثلاث تناسب أداء كل المؤسسات.
هل لكونكم مرشح سابق لرئاسة الجمهورية دور في فتح ابوب الوزارات أمام مشاريعكم أم أن التفاعل حقيقي لأن الإصلاح الإداري بات ضرورة؟
بصراحة.. الاثنين معا وحتى أكون واقعيا أقول، تعرّف المواطنون بنسبة كبيرة على حسان النوري كمرشح رئاسي، ولذلك أصبحت قريبا من المؤسسات والناس، والكل يعرف كيف يقرؤوني بشكل صحيح، كما تشرّفت بمنافسة شخص الدكتور بشار الأسد مع الانتباه إلى أن المنافسة لم تكن مع شخص عادي بل مع رمز سوري وشخص استثنائي في هذا الوطن يتمتع بشعبية جارفة في الشارع السوري واستطعت تحقيق الكثير من المكاسب من خلال هذه الانتخابات، أولها أنني قدمت رؤية الإصلاح الاقتصادي والإداري للرئيس وقد تبنى مشروع الإصلاح الإداري وأصبح قائدا له وشرفني بأن كلفني شخصيا بقيادة أول حقيبة للتنمية الإدارية في سورية رغم تجربة سابقة لي ولكنها كانت في وزارة الدولة لشؤون التنمية الإدارية (وزارة دون حقيبة) وأعترف أنها كانت تجربة غير ناضجة بالشكل الكامل ربما بسبب صغر سنّي آنذاك أو بسبب حداثة عهد الدولة بالتنمية الإدارية، أما اليوم فالموضوع مختلف، إذ تحولت سورية إلى ورشة عمل في مجال التنمية الإدارية والإصلاح الإداري مع التأكيد أن الترشيح الرئاسي وكوني وزير التنمية الإدارية ليس هما من يقف مع هذا المشروع بل القائد العام للتنمية الإدارية الدكتور بشار الأسد الذي فتح أبواب التنمية الإدارية في كل المؤسسات ناهيك باقتناع الحكومة بهذا المشروع ودعم الرئيس له ما ساعد كثيرا على انصهار مشروع التنمية الإدارية في أولويات الدولة السورية.
مجلة البنك والمستثمر
العدد 185 _ شهر أيار 2016
تعليقات الفيسبوك