البنوك المركزية العربية في مواجهة التضخم
إعتبر صندوق النقد الدولي أن الأسعار المرتفعة في معظم أنحاء المنطقة العربية التي بدأت في الظهور منذ أشهر جراء الإغلاق الاقتصادي باتت تشكل الآن اختبارا حقيقيا لقدرة البنوك المركزية على ضبط انفلات التضخم.
ويرى مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في الصندوق جهاد أزعور أن دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ستحتاج إلى رفع أسعار الفائدة لمواجهة موجة التضخم العالية التي تتسبب في ضغوط على الناس وخاصة الطبقة الفقيرة.
ويأتي الموقف بعد وقت وجيز من إصدار الصندوق لتقرير حول آفاق الاقتصاد العالمي لعام 2021، حيث حمل في طياته نظرة متشائمة أشارت إلى نمو بواقع 4.4 في المئة، أي أقلّ بنصف نقطة مئوية عن تقديرات أكتوبر الماضي جراء العراقيل التي تسبّبت فيها سلالة أوميكرون.
ونسبت وكالة بلومبرغ الشرق إلى أزعور قوله “نحن في مرحلة انتقالية تشوبها درجة عالية من الترقب وعدم اليقين، وآخر موجة من الجائحة كان لها بعض التأثير على عملية النهوض التي تشهدها المنطقة منذ العام الماضي، غير أن هذا التأثير اختلف من بلد إلى آخر”.
وأكد أن ثمة عوامل سلبية أخرى تلعب دورا أساسيا هذا العام بالنسبة إلى المنطقة؛ أولها هو التضخم، لاسيما ما يتعلّق بارتفاع أسعار المواد الغذائية.
ولفت إلى عملية التغيير في سياسة الفوائد العالمية والتي سيكون لها تأثير على الدول الناشئة التي تحتاج إلى تدفق الأموال، بالإضافة إلى التراجع الذي يشهده الاقتصاد الصيني “نظراً للترابط الكبير بينه وبين اقتصادات المنطقة”.
ورغم ذلك أكد أزعور أن زخم النمو الذي بدأ عام 2021 سيتواصل، وهو ما جعل الصندوق يرفع توقعاته لنمو المنطقة بمعدل 0.4 في المئة عما كانت عليه في أكتوبر الماضي.
ويعود ذلك بالدرجة الأولى إلى تحسن أسعار النفط وتأثيرها على الدول المصدّرة للخام، وإعادة الدورة الاقتصادية إلى القطاعات غير النفطية في هذه الدول أيضا.
لكن الأمور ستختلف بالنسبة إلى الدول المستوردة للنفط، إنما بشكل متفاوت، وقال أزعور إن “دولا مثل مصر والمغرب تمكنت من إعادة عجلة الاقتصاد بعد كورونا، وهي مستمرة في ذلك”.
وأضاف “بينما (هناك) دول أخرى، خصوصاً تلك التي تعاني من مستويات ديون مرتفعة أو أوضاع اقتصادية غير مستقرة، ستواجه صعوبات أكبر”.
وتقع على عاتق البنوك المركزية العربية ضغوط كثيرة في سعيها لتعديل سياساتها التحفيزية والنقدية من أجل احتواء المشكلة قبل أن تتفاقم بشكل لا يمكن معه تدارك الأمر.
وتسببت موجة ارتفاع قوية للأسعار نتيجة تدهور سعر صرف العملات المحلية وتعطل سلاسل الإمدادات وما خلفته الأزمة الصحية منذ عامين تقريبا، في ارتفاع معدلات التضخم في العديد من الدول العربية.
ووفق بيانات الصندوق استمر السودان في تحقيق أعلى متوسط لمعدلات التضخم بين الدول العربية خلال العام الماضي، حيث وصلت نسبة ارتفاع الأسعار إلى 339.5 في المئة مقابل 163 في المئة قبل عام.
ورغم أنه لا توجد بيانات رسمية دقيقة حول التضخم في لبنان تشير التقديرات إلى أنه بلغ 178 في المئة، ما يجعل البلد المنهار اقتصاديا ثانيا في الترتيب بينما يأتي اليمن ثالثا من حيث نسب التضخم الذي بلغ 40 في المئة سنة 2021 مرتفعا من نحو 23 في المئة على أساس سنوي.
وتحتل ليبيا المرتبة الرابعة في معدل التضخم بنسبة 21.1 في المئة عام 2021 من 2.8 في المئة فقط خلال العام الذي سبقه، ثم الجزائر خامسة بمتوسط تضخم سنوي يبلغ 6.5 في المئة مقارنة مع 2.4 في المئة قبل عام.
أما العراق فجاء سادسا في ترتيب أعلى معدلات التضخم في الدول العربية، حيث ارتفع إلى 6.4 في المئة العام الماضي من 0.6 في المئة على أساس سنوي.
وتحل تونس، التي تسجل معدل تضخم سنوي ثابتا منذ بداية الجائحة عند حوالي 5.6 في المئة، المركز السابع قبل مصر التي تأتي في المركز الثامن، حيث وصل متوسط معدل التضخم العام الماضي إلى 4.5 في المئة انخفاضا من 5.7 في المئة قبل عام.
1- السودان بنحو 339.5 في المئة
2- لبنان بنحو 178 في المئة
3- اليمن بنحو 40.7 في المئة
4- ليبيا بنحو 21.1 في المئة
5- الجزائر بنحو 6.5 في المئة
6- العراق بنحو 6.4 في المئة
7- تونس بنحو 5.6 في المئة
8- مصر بنحو 4.5 في المئة
9- الكويت والسعودية بنحو 3.2 في المئة
10- سلطنة عُمان بنحو 3 في المئة
*بيانات صندوق النقد الدولي لعام 2021
وتعتبر دول الخليج الغنية أقلّ تأثرا بموجة ارتفاعات الأسعار؛ فالسعودية والكويت سجلتا معدل تضخم متساويًا عند 3.2 في المئة لتحلا في المركز التاسع في تصنيف صندوق النقد تليهما سلطنة عمان بنحو ثلاثة في المئة.
وهوت مختلف المؤشرات الاقتصادية العربية بشكل غير مسبوق منذ تفشي الجائحة في شهر مارس 2020، إذ سجلت نقصا حادا في السيولة مما قلّص هامش إدارة الأزمات لديها بفعل هبوط أسعار النفط وتراجع السياحة، وهي القطاعات التي تعتبر الأكثر تضررا بسبب الجائحة.
ورغم التحديات المرتبطة بالتضخم ورفع الفوائد عالميا وتراجع الاقتصاد الصيني يتوقع الصندوق استمرار زخم النمو الذي تشهده منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا منذ العام الماضي خلال 2022، بسبب ارتفاع أسعار النفط بالدرجة الأولى.
ولكن التوقعات لا تزال تواجه مخاطر، بما في ذلك التوتر الجيوسياسي وموجة ارتفاع الأسعار التي تؤثر على المستهلكين والأعمال التجارية والتي يتوقع أن تستمر لفترة أطول مما كان يعتقد سابقا.
وأكد الصندوق في تقريره الفصلي “يُنتظر أن يتواصل التضخم المرتفع لمدة أطول مما كان متوقعا في آفاق الاقتصاد العالمي في أكتوبر الماضي، مع تواصل اضطراب سلاسل الإمداد واستمرار ارتفاع أسعار الطاقة في 2022”.
وذكر أنه إذا “أرخى الوباء قبضته” واعتدلت الزيادات في أسعار الطاقة في الأسواق العالمية فـ”يجب أن يتراجع التضخم تدريجيا مع تراجع عدم التوازن بين العرض هذا العام واستجابة السياسات النقدية في الاقتصادات الرئيسية”.
تعليقات الفيسبوك