سلامه: الخروج من الأزمة سياسي لا مالي

نشر موقع “موند أفريك” مقالاً بعنوان: حاكم مصرف لبنان رياض سلامة يردّ على الهجمات. وفي ما يلي نصّ الحوار مترجماً عن الفرنسيّة.

موند أفريك: كيف تفسِّر الحملة الصحفيَّة المثيرة للجدل التي نظَّمها خصومك عبر شكويي غسيل الأموال المرفوعة ضدك في باريس يومي 16 و30 نيسان/ابريل؟ لماذا لم تبتعد بعض الصحف عن عن تقديمك على أنك “المسؤول عن الفوضى؟”
سلامه: من الواضح أن تصوير الشيطنة الذي أكون ضحيته يخفي المسؤوليات الحقيقية لهذه الأزمة اللبنانية المتعدِّدة الأوجه. حتى قبل تقديم الشكاوى ضدي، كان هناك 5 صحف يومية كبرى، لا سيما في باريس، لديها جزء من القضية وكانت تنشر مقالات ضدي في نفس اليوم. من الواضح أنَّ هناك حملة مدبَّرة وأنا أتجاهل المسؤولين عنها. “آمل أن تدعمني فرنسا، لكن لا يمكنني التصديق على ذلك”.

موند أفريك: هل فكرت في الأسابيع الأخيرة بالاستقالة من المناصب التي شغلتها لمدة 8 سنوات؟
سلامه: لم افكر أبداً بالاستقالة. أحب بلدي وأريد لبنان أن يستعيد استقراره. يجب على المرء أن يصمد. فخلال الخمسين سنة الماضية عندما عرفنا الحرب الأهلية والاغتيالات السياسية والاحتلال الأجنبي، صمدنا.

موند أفريك: في الآونة الأخيرة، سافر مساعد وزيرة الخارجية للشؤون السياسية ديفيد هيل إلى لبنان لتناول طعام الغداء في منزلك، وهو رمز للصداقة يظهر الدعم الذي تلقيته من الإدارة الجديدة لجو بايدن. فهل اتخذ المسؤولون الفرنسيون نفس موقف الأميركيّين؟
سلامه: آمل ذلك، لكن لا يمكنني التصديق عليه. كوني فرنسية الجنسية، عملت دائماً على تقوية العلاقات مع فرنسا وسأواصل ذلك.

موند أفريك: أنت تستفيد من دعم شخصيات لبنانية بارزة، مثل سعد الحريري أو نبيه برِّي، القادة الرئيسيِّين للطائفة السنيَّة والشيعيَّة. فهل الرئيس اللبناني ميشال عون مستعد أيضاً للتدخل نيابة عنكم؟
رياض سلامة: لا اعرف!

موند أفريك: هل أصول الأزمة الحالية ماليَّة أم سياسيَّة؟
رياض سلامة: كلاهما بلا شك. كانت مشكلتنا الرئيسة في السنوات العشر الماضية هي العجز المزدوج في الموازنة العامة للدولة وميزان المدفوعات. القطاع العام الذي تغذيه المحسوبيَّة متضخِّم. ومع ذلك، فإننا نفتقر إلى حكومة قويَّة لتنفيذ الإصلاحات. فعندما كان رفيق الحريري الذي عينني في منصبي رئيساً للوزراء بين عامي 1992 و 2004، نجح كلانا في إنعاش الاقتصاد اللبناني بعد سنوات الحرب الأهلية الرهيبة.

موند أفريك: ماذا كانت الوصفة؟
سلامه: تم تمويل إعادة إعمار بيروت بالديون الثقيلة، ولكن بأسعار فائدة منخفضة للغاية. وكانت الثقة كبيرة في أن المغتربين اللبنانيين ودول الخليج، وخصوصاً السعودية، لن يترددوا في إعادة الدولارات، ناهيك عن المساعدة الدولية لإعادة هيكلة الديون المحرَّرة في ما يسمى بمؤتمرات باريس 1، وباريس 2 وباريس 3، بدعم جاك شيراك الصديق المخلص للبنان. وعلى الرغم من اغتيال رفيق الحريري في عام 2005، استمر التدفق إلى لبنان بما في ذلك خلال أزمة الرهن العقاري في 2008-2009، حيث كان ميزان المدفوعات فائضاً، وكان سعر الصرف ثابتاً بالدولار. ويمكنك استخدام العملة الأميركيّة أو الليرة اللبنانية بطريقة غير مبالية. وهذا ما يفسِّر سبب حصول السكان على مدَّخرات بالدولار، والتي بلغت ما يقرب من 100 مليار قبل عامين، والتي حبستها البنوك منذ نهاية عام 2019 وفرضت ضوابط على رأس المال. بصفتي حاكماً لمصرف لبنان، لم أقم أبداً بأي دور سياسي. وأنا لست من يضع ميزانية الدولة.

موند أفريك: متى تؤرخون الانعطاف في الوضع الاقتصادي في لبنان؟
سلامه: لا شك في أنه في 2011-2012 ، عندما اندلعت الحرب الأهلية في سوريا وظهرت الجماعات الإرهابية التي زعزعت استقرار المنطقة. التدفقات المالية آخذة في الجفاف، والعجز في ميزان المدفوعات آخذ في التدهور، والثقة آخذة في التآكل.

موند أفريك: لماذا لم تحاول الضغط على الحكومات المتعاقبة لصالح خطَّة إصلاحيّة ضد التضخُّم في المجال العام، والعجز في البنية التحتيَّة للكهرباء، وضعف النَّسيج الصناعي؟
سلامه: لقد حذَّرت السلطة السياسيَّة ولكن من دون جدوى، ودعوت نفسي إلى اجتماع لمجلس الوزراء وشرحت أن العجز كان بمثابة قنابل موقوتة هائلة. لكن بصفتي حاكماً لمصرف لبنان، لم ألعب أبداً دوراً سياسياً. أنا لست من يضع ميزانية الدولة … لكل وظيفته.

موند أفريك: في ظل هذه الظروف، ألا يجب أن تتسبب في صدمة ولا تجدد لنفسك في عام 2017 لفترة ولاية جديدة على رأس مصرف لبنان؟
سلامه: تردَّدت، لكن طُلِب منِّي البقاء. لقد قرَّرت تحمُّل مسؤولياتي. وقد وعد الرئيس عون المنتخب عام 2016 بإجراء إصلاحات. لقد آمنت بها أكثر لأن لوحة القيادة الماليَّة كانت لا تزال مؤاتية عندما أعيد تعييني في أيَّار/مايو 2017. لكن كل شيء يتغيَّر في بداية العام الدراسي في أيلول/سبتمبر 2017، حيث صوَّت البرلمان على زيادات كبيرة في الرواتب، فأخذ العجز بالاتساع. وفي تشرين الثاني/نوفمبر من العام نفسه، استقال رئيس الوزراء سعد الحريري (المصلح المخلص) من الرياض. والسعوديون فقدوا الثقة.
الأمل الأخير كان مؤتمر “سيدر”، الذي بدأه إيمانويل ماكرون الذي أصبح رئيسًا، كان المفترض أن يزودنا بمنطاد يبلغ حوالى 10 مليارات يورو مقابل إصلاحات هيكلية. لكن فشلت هذه المحاولة. ونتيجة لذلك، عشنا من دون حكومة واحتياطيات من الدولارات آخذة في النضوب.

موند أفريك: وللتغلب على ذلك، فرض بنك لبنان معدلات فائدة مرتفعة للغاية تصل إلى 15-20 %، لجذب الودائع بالدولار والتعامل مع عمليات السحب الهائلة للدولار على نحو متزايد. ما كان يسمى بازدراء هرم Ponzi، والذي يشير إلى نظام سلاح الفرسان عالي الخطورة. ألم تكن هذه السياسة النقديَّة غير عادلة اجتماعياً حين يمتلك 1 % فقط من المودعين اللبنانيين 80 % من الودائع؟
سلامه: أنت تقع في الكليشيهات. السياسة الماليَّة التي من المرجَّح أن تسهِّل دخول المدخرات ليست من مسؤولية البنك المركزي. ومن ناحية أخرى، بلغ متوسط أسعار الفائدة التي يفرضها النظام المصرفي بأكمله 10 % في السنوات الأخيرة. والبنوك، من جانبها، تدفع الودائع بالدولار بمعدلات 6 أو 7 %. هذا كثير إذا قارنت هذه الأرقام بالممارسات المصرفية الغربية. ولا يزال أقل بكثير من معظم الدول الناشئة مثل تركيا أو مصر. كما اتخذ الأميركيون إجراءات في عام 2015 ومرة أخرى في عام 2019 ضد مصرفين مرتبطين ارتباطًاً وثيقاً بحزب الله.

موند أفريك: لطالما حظيت بثقة النخب اللبنانية. كنت مايسترو في تجنب الصراع. بل إن البعض قدَّمك كخليفة محتمل للرئيس الحالي ميشال عون. من أين تأتي المعارضة السياسية لك؟
سلامه: اتخذ الأميركيّون إجراءات في عام 2015 ومرة أخرى في عام 2019 ضد مصرفَيْن مرتبطيْن ارتباطاً وثيقاً بحزب الله. نحن لا نعارض هذه العقوبات التي قمنا بترجمتها عبر تعميم … وبالتالي جعلت هذه الاختيارات العلاقات أكثر صعوبة مع الحركة السياسية التي يمثلها حزب الله.

موند أفريك: قام الجنرال عون، عندما انتخب في عام 2016، بعقد تحالف مع حزب الله. هل توافق على هذا الخيار؟
سلامه: لقد كان اختياراً سياسياً، وليس لي أن أتحدث على هذا الأساس.

موند أفريك: من عام 2019، تتسابق الآلة المالية. البنك المركزي الذي يخشى الانهيار يشجع البنوك على تجميد حسابات اللبنانيين بالدولار. فهل تندم على هذه القرارات التي أدَّت إلى إفقار جزء كبير من السكان؟
سلامه: لم يكن لدينا خياراً آخر. هذه الإجراءات فقط هي التي أنقذت البنوك التي كانت ستفلس لولا ذلك، مما أدى إلى انخفاض ودائع جميع المودعين التي كان من الممكن القضاء عليها بالكليَّة.

موند أفريك: لكن بعضها يثير تدفقات خارجية للعملات تعادل 5 أو 6 مليارات دولار على الرغم من نقص العملات … ماذا عنها؟
سلامه: وجد البنك الدولي أن عجز ميزان المدفوعات اللبناني في عام 2020 كان يتراوح بين 6 و7 مليارات دولار بينما كان 9 أو 10 في 2016. من بين هذه المبالغ، يجب أن نأخذ في الاعتبار 3.5 مليار لا بد منها لاستيراد الضروريات الأساسية (وقود ، أدوية ، إلخ) ونصف مليار ضروري لتعويض استثمارات البنوك الأجنبية. وبقي مليار دولار وزعتها البنوك على عملائها من دون معرفة المستفيدين. وما تبقى قليل جدا. هذه التحويلات لا تمر من خلالنا، حتى لو أرادوا تحميلنا مسؤولية هذه التصاريح لتصدير العملة.

موند أفريك: لماذا تركت المصرفيِّين الخاصين مسؤولين عن اللعبة؟ ألن يكون الأمر أكثر شفافية عبر إنشاء هيئة مراقبة الصَّرف الحكومية التي من شأنها أن ترسي نفس القواعد للجميع؟
سلامه: لقد دعوت السياسيين لاتخاذ مثل هذا القرار ولكن من دون جدوى. ومنذ ذلك الحين، أقر البرلمان قانون “الكابيتول كونترول” العام الماضي. هذه هي الخطوة الأولى.

موند أفريك: هل السبيل للخروج من الأزمة ممكن؟
سلامه: نعم، لكن الشرط الأساسي سياسي. نحن بحاجة إلى حكومة قوية قادرة أخيرًا على الشروع في الإصلاحات. الباقي سيتبع.

 

 

تعليقات الفيسبوك

اضف تعليق