مأزق العملة الصينية

مأزق العملة الصينية


شهدت الأسواق المالية انهياراً منذ بداية العام تراجعت على أثره جميع الأصول ذات المخاطر، بما في ذلك الأسهم العالمية (بانخفاض 7.9% خلال الأسابيع الثلاثة الأولى من التداول للسنة)، وسندات وعملات الأسواق الناشئة (1.2% و 3.0% على التوالي) وكذلك السلع (6.9%). وتماماً مثل ما حدث في شهر أغسطس من العام الماضي، كان السبب الذي أدى إلى اندلاع موجة التراجعات هو تخفيض قيمة العملة الصينية، وهو ما قاد لتراجعها بنسبة 1.6% مقابل الدولار الأمريكي في الأسبوع الأول من هذا العام. وعلى الرغم من أن سعر اليوان قد استقر بعد ذلك، إلا أن الأسواق ظلت متوترة حيال الغموض الذي يحيط بسياسة سعر الصرف في الصين. والسؤال الذي يطرح نفسه هو: هل بمقدور السلطات الصينية إدارة تخفيض تدريجي لقيمة عملتها على نحو يعود بالفائدة على الاقتصاد، أم هل سيتم التخفيض بشكل عشوائي يكون له آثار اقتصادية سلبية؟

يمكن للتخفيض التدريجي لعملة اليوان أن يكون مفيداً لثلاثة أسباب رئيسية. أولاً، من شأن ذلك أن يساعد المصدرين الأمر الذي سيعزز النمو الاقتصادي. لقد كان اليوان حتى وقت قريب مربوطاً بشكل وثيق بالدولار الأمريكي. وقد أدت توقعات تشديد السياسة النقدية في الولايات المتحدة، نسبياً بالقياس لبقية دول العالم، إلى ارتفاع قيمة الدولار مقابل معظم العملات. وتسبب ذلك في رفع قيمة اليوان، وهو ما قاد إلى ارتفاع سعره مقابل معظم العملات. وقياساً بمستوى النشاط التجاري، تعززت قيمة اليوان بنسبة 20% منذ عام 2012، ما أدى إلى إلحاق الضرر بالصادرات وبالتالي إلى إضعاف النمو. فقد كان نمو الاقتصاد الصيني في 2015 هو الأبطأ خلال 25 عاماً، حيث بلغ نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي نسبة 6.9% فقط. ويمكن لتخفيض قيمة اليوان أن يؤدي إلى استرداد شيء من القدرة التنافسية التي خسرتها الصادرات الصينية وتحفيز النمو مستقبلاً.

ثانياً، من شأن تراجع قيمة العملة أن يؤدي إلى تقليص الحاجة إلى بيع احتياطي النقد الأجنبي من أجل دعم اليوان. وانخفضت الاحتياطيات الدولية في الصين بأكثر من 100 مليار دولار أمريكي خلال شهر ديسمبر 2015، وبلغ إجمالي الانخفاض في هذه الاحتياطيات 700 مليار دولار منذ الذروة التي بلغتها في منتصف عام 2014. وقد حدث هذا الأمر أثناء محاولة السلطات دعم العملة لمواجهة هروب رؤوس الأموال. ورغم أن الصين لا تزال تملك احتياطيات دولية ضخمة تصل إلى 3.3 تريليون دولار أمريكي، فمن الممكن حدوث إنهاك لهذه الاحتياطيات إذا استمر هروب الأموال بالمعدل الحالي. وبالتالي، فإن السماح بمزيد من المرونة في سعر الصرف قد يساعد في الحفاظ على الاحتياطيات الدولية للصين.

ثالثا، إن إعطاء مزيد من المرونة لسعر الصرف سيعكس أيضاً المتطلبات الجديدة لتحرير العملة أكثر بعد قرار صندوق النقد الدولي بضم اليوان في سلة حقوق السحب الخاصة، مما سيدعم هدف السلطات في تدويل العملة.

لكن تخفيض قيمة العملة تصاحبه أيضاً مجموعة من المخاطر، أبرزها الانتشار الواسع لحالات العجز عن السداد في صفوف الشركات. فقد تراكمت على الصين ديون بالعملة الأجنبية تبلغ قرابة 1.5 ترليون دولار أمريكي خلال الأعوام الثمانية الأخيرة، وسيؤدي خفض قيمة العملة إلى جعل خدمة هذه الديون عبئاً ثقيلاً، مما قد يقود إلى أزمة مالية ربما تتسبب في انهيار الاقتصاد.

ثانياً، يمكن أن يُفسر خفض قيمة العملة على أنه مؤشر على وجود ضعف هيكلي في الاقتصاد الصيني. وقد يؤدي ذلك إلى اضطرابات متواصلة في الأسواق المالية مع تبعات سلبية على الصين وبقية العالم نظراً لحجم وإسهام الصين في الاقتصاد العالمي ودورها المهيمن في التجارة واهميتها كمستهلك رئيسي للسلع.

واخيراً، قد يؤدي تخفيض قيمة العملة إلى تأخير تنفيذ خطط التحول إلى اقتصاد قائم على الاستهلاك، فأي ضعف كبير في قيمة العملة سيجعل الواردات أغلى، الأمر الذي سيقلص القوة الشرائية للمستهلكين.

إن تحليل منافع ومخاطر تخفيض قيمة العملة الصينية كما استعرضنا أعلاه يشير إلى أن تخفيض قيمة العملة بشكل طفيف ومدروس قد يعود بمنافع على الصادرات الصينية ومعدلات النمو. لكن ذلك يجب أن يتم دون إحداث تراجع كبير في قيمة العملة أو إشعال فتيل أزمة عملة في الصين بتبعات غير متوقعة. فعندما يتعلق الأمر بمصير سعر صرف العملة، فإن السلطات الصينية ليس لديها مجال كبير للمناورة.