إقالة محافظ المركزي التركي تُربك بورصة اسطنبول!!

تدهور سعر الليرة التركية بنسبة تصل إلى 15% مقابل الدولار، خلال معاملات اليوم الإثنين، في أعقاب القرار المفاجئ للرئيس رجب طيب أردوغان بإقالة محافظ البنك المركزي ناجي إقبال، مما أدّى إلى محو جميع المكاسب التي حقَّقتها العملة التركية تقريباً خلال فترة ولايته التي استمرت أربعة أشهر.

وفي سياق متصل، قرَّرت بورصة اسطنبول تعليق التداول في البورصة بعد تعرُّض أسعار الأسهم لعمليات بيع كثيفة أدت إلى هبوط حاد في المؤشر الرئيسي للسوق.

ووضع هذا الانخفاض سعر الليرة بعيداً بضع نقاط مئوية فقط عن أدنى مستوى قياسي وصلت إليه العملة التركية في 6 نوفمبر 2020، أي اليوم السابق لتعيين المحافظ السابق.

ويثير قرار إقالة إقبال، الذي سعى لاستعادة مصداقية البنك المركزي، مخاوف من أنَّ البلاد ستشرع مرة أخرى في مسار أسعار فائدة منخفضة للغاية. في حين جعلت سياسات إقبال برفع أسعار الفائدة لمواجهة التضخم المتصاعد الليرة التركية أفضل عملة لتجارة الفائدة هذا العام، وجلبت رؤوس الأموال إلى الأسواق التركية.

ويرى هنريك غولبيرغ، من شركة “كواكس بارتنرز ليمتد”: “استند التفاؤل بصعود الليرة إلى إبقاء البنك المركزي التركي أسعار الفائدة مرتفعة لبعض الوقت، وبعد الخميس الماضي بدا ذلك واعداً للغاية”. وبعد أن ارتفع سعر الليرة إلى 6.90 مقابل الدولار، “فلقد “تم تدمير هذا الآن. من الصعب العثور على مضاربين على ارتفاع الليرة، التي يمكن أن تعود الآن إلى المستويات عندما جرى تعيين ناجي إقبال”.

وتمَّ تداول الليرة عند 7.9195 مقابل الدولار خلال معاملات اليوم، بعد أن تراجعت إلى 8.4707 في الساعات المبكِّرة من التعاملات الآسيوية، إذ تميل السيولة لعملات الأسواق الناشئة إلى الانخفاض. كما تراجعت الليرة مقابل العملات الرئيسية الأخرى، بما في ذلك الين الياباني واليورو.

هاجس التضخم

تجاوز الاندفاع لبيع العملة مع إعادة فتح الأسواق اليوم دعم البنوك الحكومية للعملة التركية، وفقاً لأحد المضاربين في سوق العملات والمطلع على حجم المعاملات، والذي طلب عدم الكشف عن هويته لأنه شخص غير مصرح له بالتحدث علناً.

من جهته، أكَّد وزير المالية التركي لطفي علوان، أنَّ بلاده عازمة على الالتزام بقواعد السوق الحرَّة، ونظام التداول الحر للعملة بعد عزل محافظ البنك المركزي.

وشدد علوان في بيان، اليوم الإثنين، أنَّ السياسات المالية ستدعم السياسات النقدية من أجل تحقيق استقرار في الأسعار، مضيفاً أنَّ إطار السياسة الكلية مستمر لحين حدوث انخفاض دائم لمعدَّل التضخم، الذي بلغ خانة العشرات معظم فترات السنوات الأربع الماضية.

ويتوقع تيموثي آش، المحلل الاستراتيجي في “بلوباي أسيت مانجمنت” بلندن، “تدخلاً هائلاً من بنوك الدولة على المدى القصير لتثبيت سعر الليرة”. مضيفاً أن الصورة لم تتضح بالنسبة له بعد لناحية أين سيكون الحد الفاصل لسعر الليرة الذي لا يمكن تجاوزه. وتابع قائلاً: “سيعتمد محافظ البنك الجديد على الاستفادة من الاحتياطي النقدي السخي الذي تركه له الحاكم السابق لتسهيل انطلاقة عمله”.

إلى أين؟

في العام الماضي، أنفقت البنوك التركية أكثر من 100 مليار دولار من الاحتياطيات الأجنبية للبلاد لدعم الليرة، وفق تقرير صادر عن مجموعة “غولدمان ساكس”، مما أثار دعوات من المعارضة التركية لإجراء تحقيق قضائي حول استنزاف الاحتياطيات الرسمية.

وبالمقارنة، اشترى المستثمرون الأجانب ما قيمته 4.7 مليار دولار من الأسهم والسندات في الأشهر التي أعقبت تعيين ناجي إقبال كمحافظ بنك مركزي. ويفصح هالوك بورومشكشي، الخبير الاقتصادي المقيم في اسطنبول، أن التدفقات الخارجية إلى تركيا من خلال عقود مقايضة العملة بلغت حوالي 14 مليار دولار خلال تلك الفترة.

وتعززت الليرة خلال حقبة ناجي إقبال، الذي أنهى هيكل التمويل المعقد الذي كان قائماً وتعهد بضمان استقرار سعر العملة. وتأتي تنحيته المفاجئة في أعقاب رفع سعر الفائدة بمقدار 200 نقطة أساس يوم الخميس، وهو ضعف ما كان متوقعاً في استطلاع بلومبرغ، وسط تسارع التضخم.

وتعهد شهاب كافجي أوغلو، الذي حلّ مكان إقبال كمحافظ بنك مركزي البارحة الأحد، باستخدام أدوات السياسة النقدية بشكل فعال لتحقيق استقرار دائم في الأسعار. وأشار أيضاً إلى أن اجتماعات تحديد سعر الفائدة للبنك ستعقد وفقاً للجدول الزمني المقرر.

عكس التيار

في حين أن معدلات الفائدة الأساسية الاسمية المرتفعة في تركيا هي إغراء للباحثين عن العوائد، فإن تضخمها الزئبقي واعتقاد البعض أن سياسة البنك المركزي كانت فضفاضة للغاية، جعلت الليرة واحدة من أكثر العملات تقلباً في العالم.

من بين أولئك الذين يجدون أنفسهم في الجانب الخطأ من التداول المستثمرون الأفراد اليابانيون. وشكلت مراكز الاستثمار طويلة الأجل ما يقرب من 86% من إجمالي صفقات تداول الليرة مقابل الين في بورصة طوكيو يوم الجمعة، وهي الأكبر بين 14 زوجاً من العملات الرئيسية، استناداً إلى أحدث البيانات التي جمعتها وكالة “بلومبرغ”.

الصورة لم تتضح حول الحد الفاصل لسعر الليرة الذي لا يمكن تجاوزه
ويوضح إمري أكاكماك، مستشار محفظة أصول في شركة “إيست كابيتال” في دبي، والذي يتوقع انعكاساً في بعض التدفقات المالية الساخنة الأخيرة: “لم نكن نعرف أبداً إلى أي مدى يمكن أن يصل نجاح نهج إقبال، لكن الإشارات الأولية كانت إيجابية “.

ويضيف: “حتى عندما تستقر السوق بعد فترة، لن يكون لدى المستثمرين قدر كبير من التحمل، إن وجد، وذلك في حالة خفض المحافظ الجديد للبنك المركزي التركي أسعار الفائدة الأساسية قبل الأوان مرة أخرى”.

رأي اقتصاديي بلومبرغ

يَعتبر زياد داوود، كبير اقتصاديي الأسواق الناشئة، أن الضرر الذي لحق بمصداقية البنك المركزي واستقلاليته لا يوصف. مضيفاً أن “أردوغان ضرب المؤسسة بتدخلات أدت لنتائج عكسية مراراً وتكراراً. لقد كانت الأسواق المالية على استعداد لمنح إقبال فرصة، لكن خليفته سيجد صعوبة في بناء تلك الثقة مرة أخرى”.

وقد يؤدي ضعف الليرة إلى زيادة الضغوط التضخمية في الاقتصاد وتقويض المعدل الحقيقي لتركيا، وهو الأعلى حالياً في الأسواق الناشئة بعد مصر.

ودفع هبوط الليرة بعض مراقبي العملات إلى توقع أن القيود على حركة رأس المال قد تكون حتمية لتحقيق الاستقرار في الأسواق. ورجّح بير هامارلوند، كبير محللي الأسواق الناشئة في شركة “سيب إيه بي”، حدوث تذبذب بنسبة 15% بسعر الليرة في أي من الاتجاهين (صعوداً أو هبوطاً) مع فرار المستثمرين الأجانب وتدخل البنك المركزي ودخول صائدي الصفقات.

وكتب هامارلوند، المقيم في ستوكهولم في مذكرة: “بالنظر إلى النهج الاستبدادي المتزايد لدى الرئيس أردوغان، فإن ضوابط رأس المال تبدو الخيار الأكثر ترجيحاً”. تابع: “من المؤكد أنهم يعتزمون بقاء القيود لفترة محدودة، لكن هذه الفترة قد تستمر لسنوات “.

تعليقات الفيسبوك

اضف تعليق