دول مجموعة السبع وسحب سياسات الدعم المالي
أدت تداعيات جائحة كوفيد-19 إلى أكبر موجة من إجراءات الدعم عبر السياسات الاقتصادية يتم تسجيلها على الإطلاق. فمع قيام الحكومات في مختلف القارات باتخاذ تدابير لمواجهة للأزمة الصحية بإجراءات تباعد اجتماعي صارمة وعمليات إغلاق، حدث انخفاض حاد في النشاط الاقتصادي في الربع الثاني من عام 2020. ولتجنب حدوث انهيار مفاجئ في دخل القطاع الخاص أو مزيد من الضعف في الميزانيات العمومية للشركات والأسر، سارعت السلطات الاقتصادية في جميع أنحاء العالم إلى استخدام كافة الأدوات المتاحة لها لتقديم المساعدة.
البنوك المركزية
خفضت البنوك المركزية الرئيسية أسعار الفائدة بشكل كبير ودعمت النظام المالي بضخ كميات هائلة من السيولة، مما حال دون حدوث اضطراب مفاجئ في أسواق الائتمان والأسهم. وتجدر الإشارة إلى أن التوسع المالي أصبح في غاية الأهمية. فأدوات السياسة المالية تعتبر مناسبة بقدر أكبر لتوفير المساعدة التي تحتاج إليها الشركات والأسر، وذلك عبر برامج مثل الإجازات المرضية مدفوعة الأجر، وتقديم إعانات البطالة، والإعفاءات الضريبية، والتحويلات المباشرة للأسر، والقروض المدعومة للشركات الصغيرة والمتوسطة.
صندوق النقد
ولم يكن هناك نقص في إجراءات السياسة المالية للاستجابة للعواقب الاقتصادية للوباء. ووفقاً لصندوق النقد الدولي، بلغت قيمة تدابير التحفيز المالي الاستثنائية على مستوى العالم 14 تريليون دولار أمريكي في عام 2020، أو ما يعادل أكثر من 15% من الناتج الإجمالي العالمي. وتألف نصف هذه الإجراءات من إنفاق إضافي أو تعويض عن إيرادات مفقودة، بينما تضمن النصف الآخر ما يعرف بـ “تدابير تحت الخط” مثل القروض والضمانات وضخ رؤوس الأموال. وتجدر الإشارة إلى أن أكثر من 70% من إجمالي الدعم المالي تم تقديمه من قبل الاقتصادات المتقدمة الرئيسية المعروفة بمجموعة الدول السبع (كندا، وفرنسا، وألمانيا، وإيطاليا، واليابان، والمملكة المتحدة، والولايات المتحدة).
مستقبل السياسات المالية
أولاً: سينخفض العجز المالي في جميع دول مجموعة السبع في عام 2021. وسيؤدي تعافي النشاط الاقتصادي بطبيعة الحال إلى زيادة العائدات الحكومية، على سبيل المثال، عن طريق زيادة مبلغ ضريبة القيمة المضافة التي يدفعها قطاع الخدمات أثناء خروج الناس لأنشطة الترفيه والتسلية بدلاً من البقاء في المنازل. وبالمثل، سينخفض بشكل طبيعي الإنفاق الحكومي، على سبيل المثال، مع تمكن موظفي قطاع الخدمات من العودة إلى العمل والتوقف عن المطالبة بإعانات البطالة. وفي حين شهدت جميع دول مجموعة السبع تقريباً عجزاً مالياً مزدوج الرقم كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي في العام الماضي، من المتوقع أن تستمر الولايات المتحدة فقط في هذا العجز الكبير في عام 2021. ويعكس هذا الأمر جزئياً مخاوف الحكومات بشأن ارتفاع مستويات الدين، ومخاطر أسعار الصرف، واحتمال تخفيض التصنيفات الائتمانية، أو حدوث ردود فعل سلبية أخرى في السوق، في حال استمر العجز الضخم.
ثانياً: على الرغم من توزيع لقاحات كوفيد-19، والتعافي الاقتصادي وانخفاض العجز المالي مقارنة بالعام الماضي، من المتوقع أن تظل السياسة المالية لدول مجموعة الدول السبع بعيدة عن “الوضع الطبيعي” هذا العام. ومن المرجح أن يظل العجز المالي في عام 2021 عند مستوى يعادل ضِعف العجز الذي كان سائداً خلال فترة ما قبل الوباء، حيث ستقدم دول مجموعة السبع حزمة تدابير جديدة للحيلولة دون حدوث صدمة كبيرة جراء السحب المفاجئ للدعم ولتقديم مساعدات إضافية للفئات الهشة. ومن بين الأمثلة على ذلك حزمة التحفيز المخطط لها البالغة 1.9 تريليون دولار أمريكي من الإدارة الأمريكية الجديدة وتحفيزات تتراوح قيمتها بين 70 و100 مليار دولار أمريكي التزمت بها كندا للسنوات الثلاث القادمة.
ثالثاً: من المرجح أن تكون المبادرات المالية الجديدة أقل تركيزاً على الإعانات الفورية والطارئة وأكثر تركيزاً على ما يسمى “إعادة البناء بشكل أفضل”. وتكمن الفكرة في جعل المخصصات الجديدة لمجموعة الدول السبع مختلطة، مع التركيز على دعم الاقتصاد وتمكين التحول بشكل أكبر نحو نموذج الاقتصاد الأخضر والرقمي والأكثر شمولاً. ويشمل ذلك برامج البنية التحتية بالإضافة إلى برامج التدريب والبحث المعززة للعاطلين عن العمل أو للعاملين في المجالات التي سيتم التخلص منها تدريجياً.
بشكل عام، يجري بالفعل “تطبيع” السياسات المالية داخل مجموعة الدول السبع، ولكن العملية ستكون بطيئة وتدريجية إلى حد ما، حيث تريد الحكومات اغتنام الفرصة لدفع برامج الاستثمار الجديدة مع تجنب حدوث أي “اضطرابات ناتجة عن سحب الدعم” جراء الإيقاف المبكر للإجراءات الاستثنائية.
المصدر: QNB
تعليقات الفيسبوك