تعاف يحيطه الشك .. لا نهاية سريعة لركود الاقتصاد العالمي
ينتظر المستثمرون حول العالم مزيدا من البيانات التي قد تشير إلى استمرار التحسن في الأداء الاقتصادي خلال الربع الثالث من العام الحالي. لكن الواقع يشير إلى أنه رغم التعافي النسبي الذي حققه النشاط الاقتصادي على مدار الأشهر الماضية من ضربة وباء “كوفيد-19″، فإن الأزمة ربما لا تزال بعيدة عن النهاية الحاسمة.
إشارات إيجابية للتعافي
عانى العالم من ركود اقتصادي تاريخي في الربعين الأول والثاني من العام الجاري، بفعل إجراءات الإغلاق الوطني وقرارات البقاء في المنازل لوقف تفشي فيروس “كورونا” المستجد. لكن مع تخفيف تدابير الإغلاق وعودة الأعمال تدريجيا في معظم دول العالم، بدأت الأنشطة الاقتصادية في التعافي من الانهيار القياسي خاصة مع الدعم المالي والنقدي الذي تجاوز 12 تريليون دولار.
عاد النشاط الاقتصادي للتوسع في معظم الاقتصادات المتقدمة والناشئة بحلول شهر يونيو/حزيران الماضي، مع استعادة المستهلكين شهيتهم للإنفاق بدعم تدابير التحفيز الحكومية وعودة أماكن الترفيه والتسوق لفتح أبوابها من جديد.
وأظهرت بيانات رسمية تراجع معدل البطالة في الولايات المتحدة ومنطقة اليورو وبعض الاقتصادات المتقدمة والناشئة، وسط صعود لمبيعات التجزئة والأنشطة الصناعية والخدمية. وقال نائب رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي “ريتشارد كلاريدا” إن الركود الاقتصادي في الولايات المتحدة والذي بدأ في مارس/اذار الماضي ربما انتهى بالفعل، مع ظهور بيانات قوية بداية من شهر مايو/ ايار.
ومن المقرر أن يعلن مكتب التحليل الاقتصادي الأمريكي غدا الخميس، القراءة الأولية للناتج المحلي الإجمالي عن الربع الثالث من العام الحالي، وسط توقعات بتسجيل نمو قياسي.
وتشير التقديرات إلى أن الاقتصاد الأمريكي ربما توسع بوتيرة سنوية تبلغ 32% في الفترة بين شهري يوليو وحتى سبتمبر الماضي، في أفضل أداء فصلي على الإطلاق.
عودة القلق من جديد
رغم البيانات الإيجابية المعلنة في الأشهر الماضية، فإن الصورة الإجمالية بدأ يتخللها الكثير من الضبابية والشك تجاه الوضع الحالي والمستقبلي.
في الولايات المتحدة مثلاً، أظهر تقرير “بيج بوك” الصادر عن مجلس الاحتياطي الفيدرالي أن الاقتصاد نما بوتيرة من ضعيفة إلى معتدلة في شهر سبتمبر الماضي، في إشارة إلى تباطؤ التعافي من ضربة الوباء.
وحتى النمو القياسي المتوقع في الربع الثالث من هذا العام لن يمكنه تعويض الانكماش التاريخي للاقتصاد الأمريكي في الربيع والبالغ 31.4%، ليظل الناتج المحلي يقل 4% تقريباً عن ذروته المسجلة في نهاية عام 2019.
من المعروف أن الصعود والهبوط يختلفان حتى في حال تساوي النسبة المئوية، فمثلاً إذا انخفض سعر سهم قيمته 100 دولار بنسبة 30% فإنه سيقف عند 70 دولاراً، لكن في حال صعوده بنفس النسبة لاحقاً فإنه سيرتفع لـ91 دولاراً فحسب.
بالرغم من تراجع معدل البطالة في الولايات المتحدة لمستوى 7.9% في سبتمبر الماضي مقارنة بذروة تجاوزت 14.7% في أبريل، فإنه لا يزال أكثر من ضعف المسجل قبل الوباء عند 3.5%، ما يعني بقاء ملايين الأمريكيين عاطلين عن العمل.
بينما في أوروبا، أظهرت بيانات أولية أن النشاط الاقتصادي في منطقة اليورو عاد لدائرة الانكماش مجدداً خلال أكتوبر لأول مرة في أربعة أشهر، بفعل تراجع أداء قطاع الخدمات.
أشارت البيانات الأخيرة إلى تراجع ثقة الشركات لأدنى مستوى منذ شهر مايو، وسط تجدد تسارع حالات الإصابة بفيروس “كورونا” في بعض البلدان الأوروبية.
رغم أن الانكماش في مؤشر مديري المشتريات المركب في منطقة اليورو يبدو أقل كثيراً مقارنة بالمسجل في أبريل ومايو الماضيين، فإنه يمثل إشارة تحذيرية لما قد تتجه إليه القارة العجوز في الفترة المقبلة وهو خطر الركود المزدوج.
بالفعل، توقع وزير المالية الفرنسي “برونو لو مير” انكماش اقتصاد بلاده في الربع الأخير من هذا العام، بينما أشار بنك “باركليز” إلى أن اقتصاد المملكة المتحدة قد يعاني من ركود في إجمالي العام الحالي أسوأ مما كان متوقعاً في يونيو الماضي.
تبدو الصين حالة استثنائية بشكل واضح مع نجاحها في التعافي الاقتصادي من تداعيات الوباء، بدعم إجراءات احتواء الفيروس عبر التوسع في الاختبارات وتدابير الإغلاق المشددة.
بشكل عام، يتوقع أن يتباطأ نمو الاقتصاد العالمي إلى 3.5% على المدى المتوسط، ما يعني إنتاجا مفقودا يعادل 28 تريليون دولار على مدار السنوات الخمس المقبلة مقارنة بالتوقعات السابقة قبل ظهور “كوفيد-19”.
سيادة عدم اليقين
تبرز إشارات عودة المعاناة للاقتصاد العالمي في تجدد القلق حيال ارتفاع حالات الإصابة بفيروس “كوفيد-19” مجدداً في بعض دول العالم، وسط انتهاء أثر تدابير التحفيز التي استهدفت دعم الأسر والشركات.
شهد نصف الكرة الأرضية الشمالي خاصة في الولايات المتحدة وأوروبا تسارعا ملحوظا لحالات الإصابة الجديدة بالوباء خلال الأيام الماضية، وسط حديث متزايد عن موجة ثانية من الفيروس.
أظهرت بيانات أمريكية أن عدد الحالات الجديدة للمصابين بفيروس “كورونا” سجل مستوى قياسياً في الأيام الماضية أعلى 83 ألف حالة يومية متجاوزا الذروة المسجلة في يوليو الماضي.
وفي أوروبا، تسبب تسارع حالات الإصابة بالفيروس التاجي لمستويات قياسية في بعض الدول إلى فرض بلدان مثل فرنسا وألمانيا وهولندا وإسبانيا وغيرها تدابير لوقف تفشي الوباء.
رغم أنه من المرجح أن تظهر بيانات الربع الثالث من العام الحالي نمواً قياسياً للناتج المحلي في منطقة اليورو، فإن تقديرات المحللين تشير إلى العودة إلى الانكماش في آخر ثلاثة أشهر من هذا العام.
يرى صندوق النقد الدولي أن الركود الاقتصادي العالمي الذي قد يكون أقل حدة من المتوقع سابقاً هذا العام لكنه لا يزال عميقاً، ومن المرجح أن يكون الطريق للتعافي طويلاً وغير منتظم أو مؤكد.
مع تحسين الصندوق رؤيته لأداء الاقتصاد العالمي هذا العام بتوقع انكماش 4.4% بدلاً من 5.2% سابقاً، فإنه قلص تقديراته للتعافي في عام 2021 مع استمرار أزمة الوباء، ومحذراً من خطورة الإنهاء المبكر لتدابير التحفيز المالي والنقدي.
لا يزال اللقاح المرتقب ضد الفيروس يمثل الخيار الوحيد لضمان تعافي الاقتصاد العالمي من ضربة “كورونا” بشكل مستدام وإنهاء مخاوف ظهور موجات أخرى من الوباء، وسط استمرار المحاولات الرامية لتطوير علاج فعال.
يعني انتهاء أثر التدابير التحفيزية وبقاء تهديد الفيروس، استمرار احتمالية عودة تدابير الإغلاق في بعض دول العالم وتأثر خطط الأفراد والشركات للإنفاق والاستثمار، ما قد يعيد الاقتصاد للمربع صفر مجدداً.
تعليقات الفيسبوك