إقبال متزايد على سوق الإقراض المباشر
لطالما اعتمدت “بومباردييه” على مصارفها لجمع مبالغ كبيرة من التمويل، لكن عندما احتاجت شركة تصنيع الطائرات الكندية إلى قرض بقيمة مليار دولار في ذروة أزمة فيروس كورونا، اتجهت إلى مكان آخر: شركة استثمارية خاصة.
الشركات متوسطة الحجم جمعت الديون لأعوام مما يسمى المقرضين المباشرين، الذين غالبا ما يكونون ضمن مجموعات الأسهم الخاصة الأكبر. لكن تسارعا في التدفقات الداخلة من مستثمرين أثرياء مثل صناديق الثروة السيادية في الشرق الأوسط، يمنح الآن بعض شركات الاستثمار القوة لإقراض الشركات الأكبر. يقول مسؤولون تنفيذيون إن أزمة فيروس كورونا، التي قلبت الميزانيات العمومية للشركات، عجلت بالتحول.
باولو إيبن، رئيس الأعمال الأوروبية في “جي إس أو كبيتال بارتنرز” التابعة لشركة بلاك ستون، قال إن شركته كانت أكثر انشغالا من أي وقت مضى. “نميل إلى أن نكون أكثر نشاطا في فترات الاختلال وأعتقد أننا سنكون في فترة اختلال لبعض الوقت”.
“جي إس أو” هي واحدة من عدد قليل من الشركات التي يمكنها بمفردها كتابة شيك بقيمة مليار دولار، وهي مجموعة تضم شركات الأسهم الخاصة – مثل “أبولو” و”أريس” – ومقرض مجموعة بومباردييه “إتش بي إس إنفستمنتس”، شركة استثمار متخصصة في الديون بأصول تبلغ 60 مليار دولار.
في إشارة إلى كيفية احتدام المنافسة على صفقات ضخمة الحجم، كشفت “أبولو” في تموز (يوليو) عن شراكة إقراض مباشر جديدة مع صندوق الثروة السيادية في أبو ظبي “مبادلة”، تستهدف بوضوح صفقات بقيمة مليار دولار، بهدف توزيع 12 مليار دولار في ثلاثة أعوام فقط.
أيضا أبرم “مبادلة” شراكة مماثلة لكنها أصغر في أيلول (سبتمبر) مع شركة إدارة الأصول بارينجز، مستهدفا الشركات الأوروبية.
القروض كبيرة الحجم ليست جديدة. في العام الماضي، دعمت “أبولو” الاستحواذ على شركة جرانيت الأمريكية للصحف بقرض قيمته 1.8 مليار دولار، بسعر فائدة كبير جدا يبلغ 11.5 في المائة.
لكن جيمس زيلتر، الرئيس المشارك لـ”أبولو” وكبير مسؤولي الاستثمار في الائتمان، قال إن فرص الإقراض بهذه الأحجام الكبيرة “تسارعت فقط” منذ بداية الجائحة. “هناك بيئة ائتمانية صعبة مقبلة، ونرى أن هذه الشركات ستحتاج إلى حلول رأسمالية مختلفة”، حسبما قال لـ”فاينانشيال تايمز”.
كثير من الشركات التي كانت في طليعة طفرة الإقراض المباشر يمكن أن تتبع أصلها وتجد أن جذورها تعود إلى مايكل ميلكن، مبتكر سوق السندات الخطرة في العصر الحديث. كان المؤسس المشارك لـ”أبولو” ليون بلاك أحد كبار المسؤولين التنفيذيين في مصرف دريكسيل بورنهام لامبرت، التابع لميلكن في الثمانينيات، وكذلك كان صهره توني ريسلر، الذي شارك أيضا في تأسيس “أريس” في 1997.
منذ حقبة المخاطر العالية خلال طفرة السندات الخطرة وانهيارها في ثمانينيات القرن الماضي، سوق السندات ذات العائد المرتفع نسبيا نمت الآن إلى ما يزيد على تريليون دولار في الولايات المتحدة، مثلما هو الحال مع “ابنة عمها” سوق قروض الرفع المالي. في كلتا السوقين، المصارف الاستثمارية تؤمن الديون للشركات بشروط موحدة جدا، قبل توزيعها على مئات من شركات إدارة الأصول.
على النقيض من ذلك، المقرضون المباشرون يعملون بمفردهم أو في مجموعة صغيرة. يمكنهم تقديم قروض ذات ميزات غير تقليدية في عملية تتم بعيدا تماما عن وهج الأسواق العامة. تأتي هذه الخصوصية والمرونة الأكبر بتكلفة، ما يعني أن الصفقات الكبيرة تميل إلى أن تنبع من الشركات المدعومة من الأسهم الخاصة، مع سبب محدد لتجنب الأسواق العامة.
“أريس” حطمت الأرقام القياسية لأكبر صفقة إقراض خاص على الإطلاق في حزيران (يونيو)، عندما رتبت حزمة قرض بقيمة 1.9 مليار جنيه استرليني لـ”أردوناج”، وهي شركة وساطة تأمين بريطانية مملوكة للقطاع الخاص، كانت قد تلقت سابقا ترحيبا متباينا في سوق السندات ذات العائد المرتفع.
“بومباردييه”، التي تأسست قبل 78 عاما، مدرجة منذ عقود ولديها مليارات الدولارات من السندات المطروحة للتداول العام. لكن لأنها كانت تتطلع إلى سد فجوة تمويل محتملة هذا الصيف ـ بينما تنتظر الموافقة التنظيمية لبيع قسم القطارات بقيمة 7.5 مليار يورو ـ اتجهت شركة التصنيع العملاقة إلى “إتش بي إس”.
قال مايك باترسون، المدير الإداري في شركة إتش بي إس “كان علينا أن ننظر في كل عنصر من عناصر هيكلهم الحالي لرأس المال، وجميع أقسام الأعمال المختلفة، ومعالجة كل هذا التعقيد للتوصل إلى صفقة كان الجميع سعداء بها”.
قالت مجموعة بومباردييه إنها “نظرت على نطاق واسع في كثير من خيارات التمويل المختلفة” وقررت في النهاية أن تكون صفقة خاصة “لأنها توفر المزيد من المرونة بتكلفة تنافسية”. وضمنت “إتش بي إس” التعهد الكامل بقيمة مليار دولار في تموز (يوليو)، قبل أن تجلب لاحقا “أبولو” و”أريس”.
وبحسب مسؤولين تنفيذيين، كان من الممكن أن ينشأ المزيد من الصفقات بشيكات كبيرة لولا إجراءات تهدئة السوق التي أقرها الاحتياطي الفيدرالي، المتمثلة في شراء سندات الشركات وتخفيض أسعار الفائدة. فقد مكن ذلك مقترضين متعثرين، مثل شركة تشغيل الرحلات البحرية كارنيفال، من جمع أموال في سوق السندات بدلا من ذلك.
“أعتقد أن الجميع فوجئوا قليلا بمدى السرعة التي سلب بها ذلك بعضا من فرص رأس المال الكبيرة”، حسبما قال كيب ديفير، رئيس قسم الائتمان في “أريس مانيجمنت”. لكنه أضاف أن الشركات متوسطة الحجم التي لديها “مرونة أقل في أسواق الائتمان العامة ذات السيولة”، لا تزال توفر فرصا كبيرة.
تعليقات الفيسبوك