سيناريوهات منتظره في ظل الاضطرابات المناخية
مع الاحترار الكبير الذي لا يستبعد أن يجعل مناطق بأكملها من ظهر الكوكب غير صالحة للسكن فإن قاع المحيط يمكن أن يمد العالم بمساحات جديدة ومصادر وفيرة للطعام، وحتى بالمعادن التي أصبح التنقيب عنها صعبا على سطح الأرض، بل يمكن أن يشكل ملجأ من الإشعاع في حالة حدوث نزاع نووي، إلا أن ذلك كله سيكون بشرط ألا يخلق البشر مصادر جديدة للتلوث.
بهذا الملخص، افتتحت مجلة “لوبس” L’Obs الفرنسية مقالا بقلم جان بول فريتز تساءل فيه: لماذا لا يستعمر البشر قاع البحر؟ وقدم سيناريوهات رسمتها أخيلة المفكرين والعلماء والمصممين إجابة عن هذا السؤال.
تجارب كوستو
أشار الكاتب إلى أن هناك تجارب عديدة من هذا النوع، بدءا من تجارب القبطان والعالم الفرنسي جاك إيف كوستو الذي أعطت محطاته الثلاث الإشارة بإمكان العيش تحت المحيط، وكان آخرها عام 1965، حيث عاش 6 من “رواد المحيط” لمدة 3 أسابيع على عمق 110 أمتار قبالة مدينة نيس.
وأضاف الكاتب إلى أن تجارب كوستو أشارت إلى أنه من الممكن قضاء الكثير من الوقت تحت الماء مع بعض التحفظ الذي ينطبق أيضا على المستعمرات المريخية التي تتطلب “القدرات البدنية والنفسية”.
ومع أن كوستو تخيل في ذلك الوقت أن السنوات الـ50 المقبلة -أي زمننا الحالي- سيظهر فيها “إنسان مائي” (Homo Aquaticus) يستطيع الدخول في الماء دون الحاجة إلى زجاجات الأكسجين بسبب الخياشيم الصناعية فإن البشرية لا تزال بعيدة من ذلك.
بين الصين والولايات المتحدة
ومنذ ذلك الوقت -كما يقول الكاتب- لم يتحقق الكثير من التقدم في هذا المجال وإن كانت بعض المواقع هنا وهناك، مثل فندق تحت الماء أو مطعم في المالديف يسمح للضيوف بتناول الطعام على عمق 5 أمتار، لكن هذا الاستغلال السياحي لم يغر الكثيرين، وبالتالي لا يمكن تسميته “حياة تحت الماء”.
وفي نفس السياق، تقول الصين إنها تعد “مختبرا مأهولا” لتسهيل التعدين في قاع البحر، وربما لأغراض عسكرية أيضا.
وقد تم عرض هذا المشروع وتقديمه عام 2016 كمحطة فضائية بحرية حقيقية، ومن المفترض أن يتم تركيبه على عمق 3000 متر، إلا أنه من الصعب تصور أن يكون سكنا دائما.
ولا تزال التجارب مستمرة -حسب الكاتب- مثل القاعدة الأميركية “أكواريوس” التي تم تركيبها على عمق 20 مترا قبالة فلوريدا، ويعود تاريخها إلى عام 1986.
وتقع القاعدة اليوم وسط محمية بحرية بين الشعاب المرجانية، وتؤجرها جامعة فلوريدا الدولية المالكة لمهام البحث العلمي وتدريب رواد الفضاء، وحتى للزوار من عالمي التعليم والإعلام.
دوامة المحيط
وبما أن البناء تحت الماء قد تأخر عما عليه الحال في الفضاء -كما يقول الكاتب- فليس هناك اليوم سوى أفكار، إذ لا توجد مشاريع جاهزة، ولكن ما تم تخيله حتى الآن يعطي فكرة عما يمكن أن يكون عليه مستقبلنا ككائنات “تحت بحرية”.
وفي هذا السياق، ابتكرت شركة البناء اليابانية شيميزو (Shimizu Corporation) -التي تصورت فندقا فضائيا أو حلقة من محطات الطاقة الشمسية حول خط الاستواء القمري- مشروعا لمدينة تحت الماء يطلق عليها اسم “دوامة المحيط”.
تكون قاعدة المدينة على قاع المحيط على عمق 3000 أو 4000 متر، حيث تزرع الطحالب ويتم التعدين، ومن هناك تصعد المدينة على شكل دوامة إلى السطح، مع كابلات شد لتثبيتها في مكانها.
وعلى عمق 2500 متر سيكون هناك ميناء تحت الماء ونقطة وصول إلى المدينة ومركز لتخزين الأكسجين ومياه الشرب وما إلى ذلك، وتتلو ذلك سلسلة من محطات المراقبة قبل الوصول إلى منطقة السكن، وهي كرة يبلغ قطرها 500 متر.
وفي الداخل، تشبه المدينة في تصميمها مراكز التسوق الحديثة، ولكن بإضافة الشقق والمكاتب والمختبرات والفنادق للسياح وكل ما تحتاجه لاستيعاب ما يصل إلى 5 آلاف شخص، بمن فيهم 4 آلاف مقيم دائم.
وقد تصور مصممو الدوامة البحرية حوالي 30 موقعا مناسبا لإنشاء هذه المدن، وذلك اعتمادا على تضاريس الأماكن، وقدرت التكلفة أيضا بنحو 26 مليار دولار.
ناطحة سحاب عائمة
وبالمثل -كما يقول الكاتب- تخيل المصمم المستقبلي والمصمم المقيم في لندن فيليب باولي مبنى “ساب بايوسفير 2” المكون من 8 مساكن مرتبطة بقبة مركزية مغمورة جزئيا، ويتكون هذا المبنى من حوالي 40 طابقا علويا وحوالي 20 طابقا فقط تحت مستوى المياه.
أما بالنسبة لشركة زيغلو الكندية فإن المدينة تحت الماء هي نوع من ناطحة السحاب العائمة المقلوبة، حيث تكون القاعدة على سطح الماء والبرج تحت الماء، وبالتالي فإن مشروعهم “جاير” عبارة عن “ناطحة بحر”، وهي ناطحة سحاب مقلوبة.
غير أن “جاير” -كما يقول الكاتب- ليس لها موطن ثابت، إذ يقول المصممون “إنها تستخدم تيارات المحيطات والرياح للتنقل برشاقة عبر بيئة المحيطات العالمية”، فهي بالتالي وسيلة نقل ومرصد علمي ووجهة لقضاء العطلات، وكلها مدعومة بالطاقة المتجددة.
مدينة حول مدخنة
من جانبه، يفكر رجل الأعمال الكندي فيل نويتن في مشروع مدينة تحت الماء على الساحل الغربي لكندا، وهي -حسب تصوره- مستعمرة مبنية حول جبل حراري على شكل مدخنة يخرج منها الماء بحرارة تفوق 500 درجة مئوية.
ويعتمد نويتن على حرارة المياه التي تجلب الكثير من الكائنات للطعام وعلى فرق الحرارة لتوليد الكهرباء وإنتاج الأكسجين، مع استخدام المعدات المهجورة لتحويلها إلى مساكن.
وتساءل الكاتب في الختام: هل ستكون هذه المشاريع مقدمة لعودة البشر إلى المحيط؟ خاصة أن فكرة المدن تحت الماء يمكن أن تكون مثيرة، إلا أنها مع ذلك قد تمثل تحديا للبشرية، تماما مثل غزو الفضاء.
تعليقات الفيسبوك