نتائج التدقيق بحسابات حاكم مصرف لبنان

اظهرت الحسابات السنوية المدققة لمصرف لبنان المركزي أن حاكمه ضخم من قيمة أصول البنك المركزي أكثر من 6 مليارات دولار في 2018، مما يسلط الضوء على مدى إسهام سياسة الهندسة المالية المتبعة لدعم اقتصاد البلاد، بحسب (رويترز).
ونالت البيانات المالية للعام 2018، تصديق إي.واي وديلويت الشهر الماضي لكن مع تحفظات، ولم تخرج للعلن.
وتظهر الحسابات كيف تمكن البنك المركزي من ضبط دفاتره مع المساعدة في تمويل عجز حكومي دائم الاتساع، بما في ذلك تسجيل أصول بقيمة 10.27 تريليون ليرة لبنانية (6.82 مليار دولار) تحت بند “رسم سك عملة تحت حساب الاستقرار المالي”. وبحسب دفاتر الحسابات، فإن الحاكم رياض سلامه “يحدد بشكل سنوي المبلغ الذي يتعين تخصيصه من رصيد التزامات رسم سك العملة لنفقات الفائدة المُرحّلة وتكاليف مالية أخرى.”
وتقيد أغلب البنوك المركزية رسم سك العملة، المعرف عادة بأرباح تُجنى من طبع النقود، باعتبارها بند دخل. لكن بحسب البيان المالي السنوي للعام 2018 الذي أعده البنك المركزي وراجعته إي.واي وديلويت، كان مصرف لبنان المركزي يسجل الأرباح المتوقعة من رسوم سك العملة تحت بند الأصول.
وقال ستيف ه. هانك، أستاذ الاقتصاد التطبيقي بجامعة جونز هوبكنز، “بند رسم سك العملة خيال محض”. وأضاف هانك، وهو خبير في البنوك المركزية يتابع الأزمة المالية في لبنان منذ سنوات، أن مصرف لبنان المركزي استخدم فئة “الأصول الأخرى” لإخفاء الخسائر في قروض للحكومة.
وامتنعت ديلويت عن التعقيب. ولم ترد إي.واي على طلب للتعليق.
وكانت فايننشال تايمز هي أول من نشر عن الخطوط العريضة لنهج البنك المركزي المحاسبي.
ولتوضيح سبب التصديق على الحسابات مع تحفظات، أعدت إي.واي وديلويت قائمة تضمنت عدداً من العوامل من بينها عدم القدرة على التحقق من جميع أرصدة الإيداع وعدم القدرة على إجراء جرد فعلي لاحتياطيات البنك من الذهب.
بالإضافة لذلك، قالت ديلويت وإي.واي إن البنك المركزي انتهج إطار عمل للمحاسبة وإعداد التقارير المالية يتبناه مجلسه بدلاً من المعايير الدولية لإعداد التقارير المالية. وقالا: إن تدقيقهما أُجري بما يتماشى مع المعايير الدولية. والنهج غير المعتاد الذي يتبناه البنك المركزي مسموح به لأنه ليس هناك معيار عالمي محاسبي للبنوك المركزية.
واتبع سلامه منذ توليه المسؤولية قبل 27 عاماً ما وصفها “بالهندسة المالية” لصيانة ملاءة المالية العامة للبنان وربط الليرة بالدولار الأميركي، وذلك عن طريق امتصاص الدولارات من البنوك المحلية بأسعار فائدة مرتفعة.
وفي تقرير صدر في تشرين الأول/أكتوبر 2019، وصف صندوق النقد الدولي مصرف لبنان المركزي بأنه “ركيزة الاستقرار المالي … لكن الثمن هو تكثيف ارتباط البنوك بالدولة، مما يشكل مخاطر على استقرار القطاع المصرفي ويضغط على ميزانيته العمومية مع حماية ربحية البنوك”.
ويدافع سلامه علنا عن هذه الاستراتيجية. وقال في كلمة نقلها التلفزيون في نيسان/ابريل “هذه الهندسات نحن اضطررنا أن نجريها لنكسب وقتا للبنان لكي يصلح لبنان نفسه”.
ومؤخراً، قال رئيس الوزراء حسان دياب، إن مكتب ألفاريز اند مارسال للخدمات الاستشارية سيجري تدقيقاً جنائياً إلى جانب تدقيق مالي من كيه.بي.إم.جي وأوليفر وايمان على البنك المركزي في ظل خلاف بشأن حجم الخسائر المالية التي تواجهه. ويظهر تقرير 2018 عددا من الطرق المستخدمة لتخضيم حجم الأصول وتقليص التزامات البنك المركزي، والتي تقول الحكومة وصندوق النقد، الذي يسعى لبنان للحصول على دعمه، إنها 50 مليار دولار في النطاق الأحمر.
ففضلاً عن طريقة الحساب غير التقليدية لرسم سك العملة، سجل البنك المركزي أيضا أرباحا مفترضة على إقراض الحكومة. وتظهر البيانات أن تكلفة الفائدة المدفوعة للبنوك عند معدلات بين 10 و20% كانت تؤجل باستمرار في غضون ذلك، لتتراكم ديون هائلة مستقبلاً.
وتشير البيانات إلى شراء البنك المركزي أذون خزانة من البنوك بعلاوة تحمل غير مطفأة، مما يستوجب معاملتها تحت بند الالتزامات في ميزانية البنك المركزي العمومية.
وقال مايك أزار المستشار المالي الكبير المقيم في لبنان “البنوك المركزية ليست لديها قواعد صارمة مثل الشركات، سواء المعايير الدولية لإعداد التقارير المالية أو المبادئ المحاسبية المتعارف عليها.
“لكن هناك ممارسات جيدة يتعين عليهم اتباعها. أحدها عدم إخفاء الخسائر وما يترتب عليها من رأسمال سلبي كأصول زائفة”.
وتوقفت المحادثات مع صندوق النقد الدولي التي بدأت في مايو في الوقت الذي شب فيه خلاف بين الحكومة والبنك المركزي بشأن حجم وطريقة اقتسام الخسائر في النظام المالي، والتي يقدرها آلان بيفاني العضو السابق في فريق التفاوض اللبناني مع الصندوق بنحو 69 مليار دولار.
وتفيد أحدث بيانات البنك المركزي أن أصوله بلغت 152 مليار دولار الشهر الماضي. ووفقا لبحث أجراه بنك الاعتماد اللبناني، تضمن ذلك “أصولاً أخرى” بقيمة 48.2 مليار دولار في منتصف يونيو، بزيادة 61% عنها قبل عام، وهي زيادة عزاها بنك الاستثمار إلى رسوم سك العملة وعمليات السوق المفتوحة وتقدير احتياطيات الذهب.
وأظهرت بيانات 2018 أن قيمة حيازة البنك المركزي من الذهب 10.61 تريليون ليرة، غير أن المدققين قالا إنهما لم يتمكنا من إجراء جرد فعلي بسبب “سياسة تحصر الوصول (لاحتياطيات الذهب) على كبار مسؤولي البنك التنفيذيين”.
وقال محاسب، تحدث شريطة عدم الإفصاح عن هويته، إنه كان يجب أن يدق ذلك ناقوس الخطر نظراً لأن وضع أصول البنك المركزي ومصداقيته أصبحا قيد التدقيق. وأضاف أن إصدار البنك المركزي البيانات المالية بشكل متأخر جداً لم يكن الممارسة الأمثل.
وقالت ورقة صادرة عن صندوق النقد في أيلول/سبتمبر 2018 إن أكثر من نصف البنوك المركزية تصدر بياناتها في غضون تسعة أشهر من نهاية السنة المالية.
وبسؤاله عن تقرير 2018، قال بيفاني، ثاني عضو يستقيل من فريق التفاوض اللبناني مع صندوق النقد الشهر الماضي بعد 20 عاماً في منصب المدير العام لوزارة المالية، إن المدققين لم يجروا فحصا مادياً لاحتياطيات البنك المركزي من الذهب منذ سنوات. وقال “على حد علمي في الأعوام الثلاثين الأخيرة لم يكن يُسمح لهم بإجراء جرد لاحتياطيات الذهب. “الشيء الواضح هو كيفية إخفائهم للخسائر. يحاول تضخيم أصوله بأكبر قدر ممكن”.