الدولار يعزز هيمنته على النظام المالي العالمي

عندما كان جاي باول، رئيس الاحتياطي الفيدرالي، في جلسة مساءلة في الكونجرس الأسبوع الماضي، كان التركيز على كيفية مساعدة البنك المركزي للشركات والمستهلكين الأمريكيين خلال الوباء. كان ينبغي لأعضاء مجلس الشيوخ أن يسألوا لكن لم يفعلوا عما فعله الاحتياطي الفيدرالي أخيرا لمساعدة أسواق الدولار خارج شواطئ الولايات المتحدة.
كان ذلك غلطة كبيرة. عندما يدرس المؤرخون الماليون في المستقبل صدمة كوفيد – 19، سيخلصون إلى أن تدخل الاحتياطي الفيدرالي في أسواق الدولار الخارجية عبر صفقات المقايضة مع البنوك المركزية الأخرى كان أحد أهم تحركاته في مجال السياسة. إجراء الاحتياطي الفيدرالي لم يعمل على تهدئة الأسواق فحسب، بل عزز هيمنة النظام المالي العالمي القائم على الدولار لأعوام مقبلة.

لفهم كل هذا، علينا أن نراجع بعض حقائق التاريخ. مفهوم مقايضات البنك المركزي، الذي تتبادل فيه مؤسستان العملات، ليس جديدا. وفقا لبحث من بنك التسويات الدولية، مثل هذا التعاون بين البنوك المركزية كان “تاريخا سابقا مستداما في الفترة 1962-1998”. لكنه تلاشى في أوائل القرن الـ 21، حين ركز الاحتياطي الفيدرالي على أسواق الدولار في الداخل والاقتصاد الأمريكي.
تغير ذلك فجأة في أزمة عام 2008. يشير المؤرخ آدم توز إلى أن صناع السياسة أدركوا فجأة أن الشركات المالية غير الأمريكية، ولا سيما في منطقة اليورو، أنشأت تعاملات ضخمة وغير متوازنة بالدولار. فهي مدينة للمستثمرين بالدولار، لكنها لم تتمكن من الحصول على ما يكفي من العملة في الأسواق الخاصة، ما أثار الذعر.
وبسبب عدم وجود مخزون كبير من العملة الأمريكية، لم يتمكن البنك المركزي الأوروبي من المساعدة. لذا أنشأ الاحتياطي الفيدرالي خطوط مقايضة سمحت للبنك المركزي الأوروبي والبنوك المركزية في أربع دول أخرى -سويسرا، والمملكة المتحدة، واليابان، وكندا- بتزويد الدولارات في أسواقها المحلية. كتب الاقتصاديون ستيفن موراو وجو ريني وآرمين هاس أن “الاحتياطي الفيدرالي حول البنوك المركزية الأخرى بشكل فعال إلى فروع له لتوسيع مدى وصوله إلى قطاع الدولار الأمريكي في الخارج”.
منذ الأزمة، كان هناك نقاش عام قليل حول ما إذا كان يجب على الاحتياطي الفيدرالي إبقاء هذه الإجراءات الطارئة قيد التنفيذ، وكذلك حول السؤال الحيوي المتعلق بمسؤولية الاحتياطي الفيدرالي تجاه أسواق الدولار الخارجية. وقد أوضحت صدمة كوفيد – 19 هذا بشكل غير متوقع.

في منتصف آذار (مارس)، اندلع الذعر مرة أخرى في أسواق الدولار الخارجية. استجاب الاحتياطي الفيدرالي، بل ضاعف التزامه. أولا، أعاد تنشيط صفقات المقايضة مع البنوك المركزية الخمسة الأصلية. ثم أضاف تسعة لاعبين، بما في ذلك المكسيك والبرازيل. أخيرا، عرض تسهيلات جديدة لإعادة الشراء تسمح للكيانات خارج النادي المكون من 14 عضوا بتبادل الأصول مثل سندات الخزانة بالدولار.
شبكة الأمان الموسعة هذه ليست شاملة. دول الأسواق الناشئة التي لا تمتلك حيازات كبيرة من سندات الخزانة، مثل تركيا، تم تجاهلها. كما أن استخدام برنامج الريبو مكلف، لذلك لم يفعل ذلك سوى عدد قليل. لكن 10 من 14 عضوا في نادي المقايضة حصلوا على 446 مليار دولار، حسب آخر إحصاء. علاوة على ذلك “كان البرنامج ناجحا بشكل لا يصدق” من حيث تهدئة الأسواق، كما يقول زولتان بوزار، المحلل في “كريدي سويس”. في منتصف آذار (مارس)، كان على المقترضين باليورو والين دفع 200 نقطة أساس إضافية و250 نقطة أساس، على التوالي، للاقتراض بالدولار. وبحلول أواخر نيسان (أبريل) كانت الفجوة 30 نقطة أساس و50 نقطة أساس.
هذه بشرى سارة جيدة للاعبين الماليين غير الأمريكيين. كما يأتي مع لمسة جغرافية جديدة ومذهلة.

منذ عام 2008 هاجرت الاختلالات الرئيسة في أسواق الدولار الخارجية من منطقة اليورو إلى اليابان، في الوقت الذي انغمس فيه المدخرون والمصارف وشركات التأمين على الحياة في اليابان في أسواق الدولار لملاحقة عوائد أعلى. وهكذا أصبح البنك الزراعي الياباني Norinchukin أكبر حامل في العالم لالتزامات القروض المضمونة بالدولار. كذلك قفزت المصارف الأصغر، مثل شيزوكا Shizuoka. في غضون ذلك، يقول بوزسار إن احتياجات شركات التأمين على الحياة من الدولار الأمريكي في سوق مقايضة العملات الأجنبية في اليابان تتجاوز تريليون دولار.
قبل حدوث الوباء بدأت هذه الاختلالات تجعل بعض المنظمين اليابانيين غير مرتاحين. أدى تدخل الاحتياطي الفيدرالي إلى تهدئة المخاوف. في آخر إحصاء، أخذ بنك اليابان 224 مليار دولار من الاحتياطي الفيدرالي، أكثر بكثير من المبلغ الذي أخذه من البنك المركزي الأوروبي ومقداره 143 مليار دولار، وهو مبلغ نقله فيما يبدو إلى كيانات يابانية متعطشة للدولار. باختصار، توجد الآن شبكة أمان.

هل سيتم الاحتفاظ بهذا بعد كوفيد – 19؟ من شبه المؤكد. يعتقد مسؤولون في الاحتياطي الفيدرالي ووزارة الخزانة الأمريكية، بشكل متزايد، أن منع هذا الإسراف في الأحداث المثيرة في أسواق الدولار الخارجية أمر ضروري لتجنب الصدمات التي تتعرض لها أسواق الدولار الداخلية وقطاع الخزانة ذو الأهمية البالغة.
لنعد هذا دليلا جديدا على المصلحة الذاتية الأمريكية. أو أنه مجرد نتيجة حتمية للعولمة المالية. في كلتا الحالتين، فإن النقطة الحاسمة هي هذه: حتى لو كانت القيادة العالمية للولايات المتحدة تتعثر في كثير من المجالات، فإن دعم الاحتياطي الفيدرالي لهيمنة الدولار ليس كذلك. قد يؤدي ذلك إلى ترسيخ استخدام الدولار أكثر بعد صدمة كوفيد – 19، حتى لو كانت دول مثل الصين تكره ذلك.