فيروس كورونا الصيني يعصف بالاقتصاد العالمي
حصد فيروس كورونا المستجد الذي أطلقت عليه منظمة الصحة العالمية اسم “كوفيد- 19” آلاف الضحايا واصاب نحو 100 ألف في الصين وحدها وانتشر في أكثر من 32 دولة حول العالم. والفيروس الذي أعلن عنه في كانون الأول/ ديسمبر الماضي، أصاب الاقتصاد الصيني في الصميم وأثر فيه، وهو ما ألقى بتداعياته على الاقتصاد العالمي خصوصاً الاقتصادين الأميركي والأوروبي وأثر على الأسواق الناشئة في آسيا.
التصدي للأزمة
لا شيء يدل على أن الاقتصاد الصيني سيتعافى سريعاً بعد السيطرة على الفيروس الذي ظهر الفيروس في سوق بمدينة ووهان الواقعة وسط الصين، وهي جزء من مقاطعة تعرض فيها أكثر من 56 مليون شخص لشبه عزل، فيما اضطرت الصين لانشاء مستشفيات في وقت قياسي تتسع لآلاف الأسرة لعلاج المصابين بالمرض. حتى أن السلع الصينية ستواجه صعوبات في التصدير خصوصاً بعد التأكد من أنها لا تحمل بقايا من فيروس كورنا. وقد رسمت وكالة بلومبيرغ الأميركية صورة قاتمة لتداعيات وباء كورونا الفتاك على الاقتصاد العالمي، فذكرت بأن الاقتصاد العالمي المترابط بدأ يشعر بوطأة تفشي فيروس كورونا واحتمال تعرضه لضربة تفقده نموا مقداره 160 مليار دولار.
الواقع انه منذ حدوث آخر أزمة صحية في الصين جراء تفشي مرض متلازمة الالتهاب الرئوي الحاد (سارس) من أصل حيواني المنشأ في عام 2003، تضاعفت حصتها في الناتج الاقتصادي العالمي أربع مرات بمعدل 17% تقريبا. وتشير بلومبيرغ إلى أن الصين تعد الآن أكبر سوق لإنتاج السيارات الجديدة، وأكبر دولة من حيث الإنفاق في السياحة العالمية، والمصدر الرئيسي للملابس والمنسوجات. كما أنها البلد الذي يُصنَّع فيه العديد من أنواع الأجهزة الإلكترونية.
بين الصين والعالم
الأزمة التي يواجهها الاقتصاد العالمي منذ اندلاع وباء كورونا المستجد سيكون تاثيرها أضعاف الضربة التي تعرض لها جراء تفشي فيروس سارس حيث قدرت الخسائر في 2003 بنحو 40 مليار دولار، وفق ما يقول خبراء اقتصاديون عالميون. ويُعد فيروس كورونا المستجد أحد الأحداث غير المتوقعة التي أثارت اضطرابا في الاقتصاد العالمي منذ بداية العام الحالي 2020، ما شكل ظاهرة تسمى “البجعة السوداء” والتي تعد ظاهرة اقتصادية عند ظهور حدث غير متوقع يؤثر على الاقتصاد عالميا.
وحذرت مؤسسات اقتصادية ومالية عالمية، من تأثيرات اقتصادية سلبية بسبب تفشي الفيروس حول العالم في الربع الأول من العام الجاري على أقل تقدير وإلى النصف الأول من هذا العام. وجاءت التحذيرات بسبب انخفاض الاستهلاك والانفاق الصيني والعالمي وتحديدا انخفاض الإنفاق على السفر والسياحة، والذي جاء متزامنا مع إيقاف أو تخفيض معظم شركات الطيران العالمية رحلاتها من والى الصين، إضافة إلى انخفاض الاستهلاك على السلع غير الأساسية.
انتشار الفيروس وارتفاع عدد الوفيات ووكثرة الاصابات، أدت كلها إلى تخفيض توقعات النمو الاقتصاديين الصيني والعالمي في 2020 من قبل معظم المحللين الاقتصاديين والماليين حول العالم. وقد تباينت تلك التخفيضات لنمو الاقتصاد العالمي بين 0.4% و1.5%، أي بخسارة ما يقدر بـ 400 مليار دولار إلى أكثر من تريليون دولار من الناتج المحلي الإجمالي العالمي في النصف الأول من العام الجاري، لكن سيكون المتضرر الأكبر منه الصين وهو ماسينعكس على النمو العالمي بفعل وزن هذا البلد الاقتصادي الذي يعتبر ثاني أكبر اقتصاد في العالم بعد الولايات المتحدة الأميركية.
التوقعات الاقتصادية
التوقعات الاقتصادية السلبية ارتبطت بعوامل عدة، أهمها عدم معرفة مدى انتشار المرض وتفشيه حول العالم، إضافة إلى متى سيتم التوصل إلى علاج ضد الفيروس. وقد اعتبرت منظمة الصحة العالمية، ظاهرة تفشي كورونا حالة طوارئ عالمية لكنها لم تصل الى حد وصفه بالوباء العالمي، بالرغم من أن الخبراء يطلقون عليه اسم وباء، فيما خفضت وكالة موديز للتصنيف الإئتماني توقع نمو الاقتصاد الصيني إلى 5.2% من 5.8% في 2020.
ولعل مديرة صندوق النقد الدولي، كريستالينا جورجيفا كانت غير حاسمة في مدى تأثير الفيروس على الاقتصاد العالمي، فقالت في مؤتمر مؤخراً في دبي إن التأثيرات الاقتصادية الناجمة عن وباء فيروس كورونا في الصين ستكون قصيرة الأجل في أفضل الأحوال، لكنها تتزامن مع هشاشة الاقتصاد العالمي حاليا. أضافت “سيتضاعف تأثير الوباء العالمي ويتجسد في حدوث اضطرابات كبيرة في سلسلة الامدادات، وانخفاض مستمر في ثقة المستثمرين، خصوصا إذا انتشر خارج الصين”.
وكانت شركة آبل الأميركية على سبيل المثال، والتي تعتمد على الإنتاج والاستهلاك الصينيين، حذرت من أن إمداداتها من هواتف آيفون ستتأثر، ما شكل مخاوف على إيراداتها ومبيعاتها هذا العام، وذلك يشير إلى إمكانية تأثير سلبي كبير على شركات كبيرة حول العالم مرتبطة بالاستهلاك الصيني او إنتاج عملياتها التشغيلية في الصين.
كما تأثرت أسعار النفط سلبا بانخفاض وصل إلى 20% خلال تداولات الشهر الماضي، وبفعل انخفاض الاستهلاك الصيني، ثاني أكبر مستهلك للنفط وأكبر مستورد للنفط في العالم، حيث أشارت التقارير إلى أن استهلاك الصين من النفط انخفض بمقدار 3 ملايين برميل يوميا، إضافة إلى انخفاض الطلب على وقود الطائرات بفعل تعطل حركة السفر عالميا وتحديدا من الصين واليها.
وفي محاولة لتخفيف حدة التأثير السلبي على الاقتصاد، قامت الصين بضخ مئات المليارات من الدولارات في النظام المالي لديها لتوفير السيولة وتحفيز الأسواق. وخفض بنك الشعب الصيني، معدل الفائدة على القروض لآجل عام إلى 4.05% بمقدار عشر نقاط أساس، كما تم تخفيضها على القروض لمدة 5 سنوات إلى 4.75% .
كيف تعاملت الصين مع الوباء
استطاعت الصين، وفق بلومبيرغ، امتصاص الصدمة الاقتصادية الأولى الناجمة عن وباء كورونا، لكن التطورات كانت تشير الى أن أزمة الوباء هي أكثر من مجرد صدمةن وقد تضطر الضين الى تحمل خسائر كبيرة بالرغم من اقتصادها القوي والمتين.
تبين أن الخطر يكمن في احتمال استمرار تفشي الوباء واضطرار الناس للبقاء داخل منازلهم، ما يعني بروز مشاكل للشركات في مجالي التوزيع والإنتاج. وهو أمر حصل في الصينن خصوصاً في بؤرة الوباء، حيث اضظر البلد كله لأن يتخذ اجراءات احترازية ومنع التجول أحياناً الا لحالات التبضع الاضطراري. وقد أقفلت شركات كبرى محالها ومكاتبها في الصين، حتى أن الأحياء الصينية في مختلف بلدان العالم باتت أسواقها شبه فارغة بسبب الخوف من الفيروس. وأشارت بلومبيرغ مثلاَ إلى أن شركة ليفي شتراوس وشركاءه المتخصصة في ملابس “الجينز” أغلقت أبواب متجرها الرئيسي في مدينة ووهان الذي افتتحته قبل أربعة أشهر. وانتقلت شركات عالمية لفتح محال ومعارض في مدينتي بكين وشنغهاي الصينيتين، مثل إيستي لودر الأميركية لمستحضرات التجميل، وكندا غوس وهي شركة كندية قابضة لصناعة الملابس الشتوية، ورولز رويس للسيارات وهي شركة بريطانية متعددة الجنسيات.
وتقول الوكالة إن موجة التأثير الأولى على الاقتصاد العالمي من الفيروس تأتي في وقت حرج. فالشركات الغربية ساهمت في تحويل احتفالات الصين بالسنة القمرية الجديدة التي كانت مقررة أواخر يناير/ كانون الثاني من كل عام إلى مناسبة للتسوق تدر أرباحا وفيرة، حتى باتت فترة محورية للنمو الاقتصادي في البلاد. لكنها لم تعد كذلك هذا العام بسبب وباء كورونا، حيث تشير التقديرات إلى أن نمو الاستهلاك في الربع الأول 2020 سيتباطأ بأكثر من النصف في الصين من معدله المسجل في الشهور الأخيرة من عام 2019 الذي بلغ 5.5 %. وكانت أقدمت شركة ستاربكس على إغلاق أكثر من ألفي مقهى في عموم الصين، أي نصف عددها في تلك الدولة. كما أغلقت شركة ماكدونالدز المئات من مطاعمها، بينما نفذت البضائع في بعض محلات وولمارت للبيع بالتجزئة. في حين أغلقت ملاهي ديزني لاند أبوابها في شنغهاي وهونغ كونغ، ونصحت معظم الدول رعاياها بتجنب السفر إلى الصين، وقلصت شركات الطيران رحلاتها.
ويبدو أن قطاع صناعة التكنولوجيا سيكون الاكثر تأثراً لتفشي وباء كورونا، حيث تستأثر الصين بنحو 21% من الإنفاق العالمي في أجهزة تكنولوجيا المعلوماتن حيث تتخذ بعض كبريات الشركات المصنعة لأجهزة الكومبيوتر الشخصي وموردي قطع الغيار من الصين مقرا لها، فإذا ما حدث تباطؤ في المبيعات فمن شأنه أن يحد من الطلب على برمجيات أنظمة تشغيل مايكروسوفت ويندوز. وتستخدم أكثر من 50% من الشرائح الإلكترونية المقدر قيمتها بنحو 470 مليار دولار، إما في أجهزة تباع في الصين أو تورَّد إليها، بغية وضعها في معدات أو تجهيزات تمهيدا لبيعها حول العالم. علماً أن وزير التجارة الأميركي ويلبور روس صرح لشبكة فوكس بيزنس بأن تفشي المرض قد يدفع مزيدا من الشركات إلى نقل صناعاتها التحويلية إلى الولايات المتحدة والمكسيك. في حين تخوف مديرو شركات من أن يكون الفيروس أكثر تأثيراً في أعمالهم من الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصبن.
التحدي العالمي
التفشي السريع لفيروس كورونا المستجد، وضع اقتصاد العالم برمته أمام تحد حقيقي، حتى وإن كانت غالبية الوفيات والإصابات قد سجلت في الصين. وأوردت صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية أن قدرة العالم على احتواء هذا الفيروس هو الذي يحدد حجم الخسائر الاقتصادية، كما أن عنصر التوقيت مهم أيضا، لأن عدم استقرار الوضع يزيد من الأضرار. علماً أن بكين أعلنت أن الاصابات اليومية كانت تتراجع ما يعني أنه يمكن السيطرة على الفيروس.
لكن المخاوف بشأن ثاني أكبر اقتصاد في العالم، يكمن أيضاً بإغلاق كثير من المصانع والمراكز المالية في مدن الصين الكبرى، وهو ما يعني العجز عن تسليم الطلبيات إلى الخارج. وتعثرت عودة المصانع الصبنبة إلى نشاطها، بسبب عدم إمكانية عودة العمال المهاجرين، أو نظرا لصعوبة الحصول على المواد الخام التي يتطلبها الإنتاج فيما عرقلت إجراءات الحجر الصحي عملية التنقل في الصين. ويقول الباحث الاقتصادي في جامعة كورنيل، إيسوار بلاساد، إن الاستهلاك تأثر على نحو كارثي، لأن الناس صاروا يفضلون البقاء في بيوتهم عوض أن يخرجوا إلى المطاعم والمنشآت السياحية الأخرى، إضافة الى الاجراءات التي قررتها الحكومة الصينية بتوجيهات من الرئيس الصيني شي جيبينغ، وهذه الأنشطة الصغرى تساهم بدورها في النمو الاقتصادي للمارد الصيني. وبإزاء هذا الوضع، وجدت الصين نفسها مطالبة بزيادة الإنفاق وخفض الضرائب المفروضة، فضلا عن تقديم قروض بنسب فوائد مغرية لإنعاش النمو الاقتصادي. وهذا يعني إثقال كاهل البنوك، وهو ما سبق أن حصل في البلاد في وقت سابق، لكن حجم الفيروس والظروف الدقيقة التي تمر بها لا تتيح هامشا واسعا للمناورة وهي لا تسمحُ بخيارات كثيرة لتفادي الأسوأ. وبما أن شركات عالمية كثيرة تعتمد على سلاسل الإنتاج الصينية، فإن عدم تعافي ثاني اقتصاد في العالم، ستكون له تداعيات في الخارج، وعندئذ، ستصبح الأزمة عالمية وأوسع نطاقا ولن تظل في الصين فحسب.
موقع الصين
الأزمة الكبيرة التي عاشتها الصين بسبب فيروس كورونا وأثبتت انها دولة قادرة على التعبئة ومواجهة الكوارث الإنسانية أكدت القيمة الكبيرة التي يمثلها الاقتصاد الصيني بالنسبة إلى العالم، حيث تداعت الأسواق العالمية والاقتصاديات الكبرى للمساعدة في ما يتعرض له الاقتصاد الصيني جراء توقف بعض أنشطته الاقتصادية.
تشير أرقام بيانات البنك الدولي إلى أن الناتج المحلي للصين بلغ 13.6 تريليون دولار في عام 2018 بما يمثل نسبة 15.8% من الناتج المحلي العالمي، كما أن حصة الصين من الصادرات السلعية في العام نفسه بلغت 2.4 تريليون دولار بما يمثل نسبة 12.2% من إجمالي الصادرات السلعية للعالم. في حين تقول مديرة صندوق النقد الدولي أن الصين تمثل 19 في المئة اليوم من الناتج العالمي بعدما كانت في عام 2003 لا تمثل أكثر من 8 في المئة.
في الحصيلة الأولى لتأثير أزمة فيروس كورونا على الاقتصاد الصيني، ثمة تقديرات أولية تؤكد تضرر أكبر شركة ائتمان صينية “آي سي بي سي” بانخفاض أسهمها بنحو 11%، وانخفاض قيمة أسهم بنك التعمير الصيني 7.6%، فضلا عن مخاوف تتعلق بتعميق أزمة مديونية الشركات داخل الاقتصاد الصيني، وكذلك الدفع خلال الفترة المقبلة لموجة تضخم تضرب بعمق الاقتصاد الصيني نتيجة تراجع الإنتاج. ويبدو أن الأمر مرتبط بحسب الخبراء بمدى قدرة الصين على السيطرة على الفيروس نهائياً ومكافحته ووقف تداعياته السلبية على الاقتصاد.
امتصاص الصدمة والخسائر
ووفق تقارير عدة هناك سيناريوهات للتنبؤ بقدرة الاقتصاد الصيني على تجاوز أزمة “كورونا”. اذا كان التوصل إلى لقاح فعال للوقاية من الفيروس يستلزم مدة زمنية طويلة، فيعني ذلك استمرار إغلاق العديد من المنشآت الصناعية والخدماتية داخل الصين، خاصة تلك التي تستلزم تعاملا بشريا، أما ما يمكن إنجازه عبر التعاملات الإلكترونية فيتم بصورة طبيعية، خاصة أن الصين قد مرت من قبل بتجربة فيروس سارس في مطلع الألفية الثالثة. وسيكون الأمر في هذه الحالة مجرد إعادة ماكينة تشغيل الاقتصاد الصيني لطبيعتها، ولتعويض خسائر البنوك والشركات، وحركة الصين الاقتصادية الخارجية، من صادرات وواردات سلعية، وضخ واستقبال الاستثمارات المباشرة. لكن استعادة معدلات النمو ستحتاج لبعض الوقت، خاصة أن ثمة تنبؤات تذهب إلى أن معدل النمو في الاقتصاد الصيني سيكون عند 1% خلال الربع الأول من 2020، وفق سيناريو السيطرة على كورونا في الأجل القصير.
وما يساعد على التعافي السريع للاقتصاد الصيني في ظل هذا السيناريو هو امتلاك البلاد بنية أساسية صلبة ومعرفية قوية يمكن من خلالها توفير قدر كبير من المرونة في جهازها الإنتاجي، وتعافي أسواقها الداخلية والخارجية. وبما أن الحكومة الصينية ضخت مئات المليارات من الدولارات من أجل زيادة السيولة في السوق وتنشيط الطلب في الأسواق. لكن في ظل إغلاق المنشآت الإنتاجية في الصين قد يؤدي ذلك إلى ارتفاع معدلات التضخم.
استعادة الثقة
ومن التحديات التي ستواجه الاقتصاد الصيني بعد السيطرة على أزمة كورونا استعادة حالة الثقة في المنتجات الصينية وما إذا كانت خالية من بقايا الفيروس، فثمة إجراءات احترازية سوف تلازم العديد من الدول، خاصة المستوردة من الصين، بشأن المخاوف الصحية، وهو ما سيؤخر فترة استعادة الصين مكانتها الاقتصادية على الصعيد العالمي.
أما اذا لم تتمكن الصين من السيطرة على الفيروس وأخذ ذلك وقتاً أطول من المتوقع، فستكون في أزمة حقيقية، وسيتأخر وضعها على خريطة القوى الاقتصادية الكبرى، وسيتجاوز الحديث عن تراجع قيمة المؤسسات المالية والإنتاجية في الصين كثيرا، فيما
دول الجوار للصين، مثل اليابان وسنغافورة وفيتنام، وغيرها ستتأثر سلباً وهو ما يعني أن الأزمة الاقتصادية قد تمتد إلى خارج الصين. وقد يؤثر الأمر على قيمة العملة الصينية (الدولار يعادل نحو 7 يوانات صينية تقريبا)، وكذلك رصيد الصين من احتياطيات النقد الأجنبي الذي بلغ في ديسمبر/ كانون الأول 2016 نحو 3.1 تريليونات دولار، بسبب ما هو متوقع بشأن تراجع معدلات الإنتاج في الدخل، وإصابة الصادرات والواردات بالشلل، وهو ما يعني أن العملة الصينية ستفقد جزءا كبيرا من قيمتها. وسيؤدي ذلك إلى تغير كبير في وضع الصين كأكبر مستثمر في سندات الخزانة الأميركية، حيث إن استمرار الأزمة يعني حاجة الصين للتمويل بشكل كبير، ما يضطرها لبيع جزء كبير من أرصدتها الخارجية، حيث تمتلك الصين رصيدا يزيد على تريليون دولار كاستثمار في سندات الخزانة الأميركية.
على أن عدم السيطرة على الفيروس يعني انتقال الأزمة أيضاً من الصين إلى العالم العالمي، وهو ما يعني استنهاض كل الجهود العلمية والمالية لمواجهة كورونا حتى لا يصبح وباء عالميا، فضلا عن أن المصالح الاقتصادية لباقي بلدان العالم مع الصين تفرض أن تتشارك الجهود لإنقاذ الصين بغض النظر عن مكانتها الاقتصادية وعودتها كقوة اقتصادية.
تبقى الصين دولة عالمية قادرة على مواجهة الازمات، وان كان الفيروس المستجد سيظهر سببه من خلال ممارسات بشرية. لكن المهم ان الصين استطاعت تعبئة كل طاقات شعبها، وتمكنت من استقطاب العالم للوقوف الى جانبها، وهذا يعني أن خطر تجدد الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة الاميركية بات مستبعداً. كما ستعمل الدول لعدم تأثر الاقتصاد الصيني كثيراً بتداعيات الوباء لأن ذلك يؤثر في اقتصاداتها، علماً أن فيروس كورونا الذي لم يؤثر على الاقتصاد الأميركي بشكل كبير حتى الآن، لكنه قد يؤدي إلى كبح النمو الاقتصادي للولايات المتحدة، خلال العام الحالي، في حال لم تتحسن الأوضاع في الصين نفسها. ومساعدة العالم خصوصاً الأميركيين مرتبطة بالاتفاقات التي يمكن أن تتبخر كلها في حال لم يتعاف الاقتصاد من تبعات فيروس كورونا المستجد، وهو ما سيحد من الاستثمارات في أغلب الاقتصادات الكبرى.
تعليقات الفيسبوك