أهمية واستقلالية المدقق الخارجي
مع تعاظم دور الشركات المساهمة في الاقتصاد المعاصر، وأهميتها لكل المساهمين والمودعين أو الدائنين والمدينين بشكل خاص، ولكل الاقتصاد الوطني بشكل عام، أهمية وحساسية مهنة التدقيق والمراجعة الخارجية لنشاط هذه ًفقد ازدادت كثيرا الشركات، كنوع من الحماية المسبقة لحقوق كل الأطراف ذات العلاقة بها. وإذا ما كانت هذه الأهمية والحساسية لهذه المهنة عامة في كل الأوقات، فإنها تكون أهم وأخطر في زمن التقلبات الاقتصادية والهزات المالية التي تهدد عمل هذه الشركات.
في دراسة للأستاذ في كلية الاقتصاد بجامعة دمشق الدكتور زياد زنبوعة، خص بها مجلة البنك والمستثمر، شرح اهمية دور المدقق الخارجي على النحو الآتي:
أولاً: من هو المدقق الخارجي؟
يسمي نفسه محاسب قانوني مستقل عن الشركة (أو الشركات) التي يعمل لحسابها وبأجر منها. ويجب أن يقوم بعمله بشكل محايد ومستقل عن الشركة من أجل إظهار رأيه في عدالة القوائم المالية وقانونية النشاط المالي والمحاسبي للشركة. وبالتالي فإن عمله يدخل في صميم حوكمة الشركات على التوازي مع نشاط مجالس إدارتها.
ثانياً: هل يمكن لعامل أن يخالف رب عمله؟
في الواقع العملي إن استقلالية المدقق الخارجي تبقى منقوصة طالما أن الشركة التي يعمل لحسابها تستطيع تغييره أو عزله وتتحكم بأجره.
يُعين المدقق الخارجي –نظرياً فقط- من قبل الهيئة العامة لمساهمي الشركة، ولكن -عملياً- من قبل إدارة الشركة. وتُحدد تعويضاته المباشرة و“غير المباشرة“ من قبل الإدارة التي تستحصل -في معظم الحالات- على تفويض بذلك من الهيئة العامة للمساهمين. وبالتالي فإن هذا المدقق الخارجي مقيد –إلى حد بعيد- بإرادة إدارة الشركة ولا يقيم أي اعتبار للهيئة العامة للمساهمين، وبالتالي لن يستطيع رفض أي بيانات أو إجراء مالي أو محاسبي للشركة، وأقصى ما يمكنه فعله هو ذكر بعض التحفظات، وبشكل خجول جداً، وأحياناً بشكل مبطن أو غير صريح؛ كي لا ينتبه إليه المساهمون، ولا يُغضب الإدارة.
ثالثاً: أهمية المدقق الخارجي:
إن وجود المدقق الخارجي له أهمية كبيرة، وخاصة في الشركات المساهمة للعديد من الأسباب نذكر منها الآتي:
- إن معظم المساهمين في الشركات المساهمة غير ملمين بالحسابات المالية، أو غير متفرغين لتدقيق أو حتى مجرد مراجعة البيانات والقوائم المالية، لذلك وُجد المدقق الخارجي لمتابعة أعمال المحاسبين والمدققين الداخليين.
- المدقق الخارجي هو بمثابة محامي عن المساهمين، وإلا كان أُكتفي بالمدققين الداخليين. ولذلك يجب أن يكون جل همه الحفاظ على حقوقهم (طبعاً وحقوق كل الأطراف ذات العلاقة مع الشركة)، وتبيان المركز الحقيقي لشركتهم، وتبيان أي مخاطر تحيط بالشركة، سواء مالياً أو محاسبياً، وأحياناً قانونياً من جهة التشريعات المالية والمحاسبية. ولذلك نشاطه يجب أن يتسع ليشمل ليس فقط المحاسبين والمدققين الداخليين، ولكن أيضاً الشؤون القانونية فيما يخص التشريعات المالية والمحاسبية التي تتغير باستمرار.
- قانونياً هو ليس موظف لدى إدارة الشركة وإنما لدى المساهمين.
رابعاً: مقترحات لتعزيز استقلالية المدقق الخارجي:
نظراً لهذه الأهمية الكبيرة للمدقق الخارجي، وحساسية عمله، فلابد لنا من أن نركز على روح ومضمون استقلالية المدقق الخارجي وليس فقط –كما يحصل في أحيان كثيرة- على مظهر هذه الاستقلالية. ولذلك فإنه لابد من معالجة موضوع استقلاليته المنقوصة –كما بيناها أعلاه- من جهة التعيين والأجر، ولذلك نقترح الحلول الآتية:
- نقل مهمة ومسؤولية تعيين المدققين الخارجيين إلى “مجلس المحاسبة والتدقيق” والذي تم تشكيله تنفيذا لأحكام القانون رقم /33/ تاريخ 1/12/2009 المتضمن تنظيم مهنة المحاسبين القانونيين في سورية، وذلك لكافة الشركات المساهمة، وبطريقة القرعة العشوائية بين كل المحاسبين القانونيين المسجلين إما لدى جمعية المحاسبين القانونيين، أو من اللائحة المعتمدة من قبل هيئة الأوراق والأسواق المالية السورية. هذه القرعة ستحقق أمرين في غاية الأهمية:
أ) نزاهة وشفافية اختيار المدقق الخارجي بدون أي تدخل، سواء من قبل هذا المجلس، أو من الشركة المساهمة. وهذا سيعطي استقلالية كبيرة ليس فقط للمدقق، ولكن أيضاً لكل من المجلس والشركة المساهمة أيضاً، وستكون العلاقة فيما بين هؤلاء الثلاثة علاقة مهنية وموضوعية بحتة.
ب) إتاحة الفرصة لعمل كل المحاسبين القانونيين المسجلين في جمعية المحاسبين القانونيين، وعدم حصره بفئة قليلة متنفذة منهم، كما يحصل حالياً، إذ نجد بعض المدققين الخارجيين يعملون في الكثير من الشركات في نفس الدورة المالية، بينما آخرون لا يعملون.
- تحديد أتعاب المدقق الخارجي من قبل هذا المجلس وبحسب كبر أو صغر وأهمية الشركة المساهمة. وبذلك نتخلص من مشكلة قائمة حالياً، وهي التفاوت الكبير بين تعويضات المدققين الخارجيين مابين شركة وأخرى، وبعيداُ عن أي معيار موضوعي. فأحياناً يصل التفاوت لخمسة أضعاف بين شركتين متقاربتين مالياً ومحاسبياً؟!
- أن يعين المدقق الخارجي لدورة مالية واحدة فقط. وهذا شرط مهم يجعل المدقق يقول كل ما لديه ويمضي دون أن يلوي على شيء.
- بما لا يتعارض مع البند السابق، لا مانع أن يتكرر تعيين المدقق الخارجي لدورة مالية أخرى، سواء متصلة أو منفصلة، إذا ما صادف ووقعت القرعة عليه ثانية. وهذا الشرط يتعاضد مع سابقه في تعزيز الحيادية والموضوعية في العلاقة بين الشركة والمدقق الخارجي، طالما أن كلاً منهما سيتوقع عودة العمل معاً في أي وقت لاحق.
- حظر على المدققين الخارجيين القيام بأي أعمال أخرى –عدا التدقيق والمراجعة- في نفس الشركة، كتقديم بعض الخدمات الإدارية أو الاستشارية أو الضريبية وغيرها، مما يمكن أن يؤثر في مضمون وشفافية تقاريرهم عن نشاط الشركة واستمراريتها ومركزها المالي. وتطبيق كل قواعد حوكمة الشركات المساهمة الصادرة عن هيئة الأوراق والأسواق المالية السورية.
- إذا ما تحقق كل ذلك فلن يعود أمر تعيين المدقق الخارجي مرتبطاً بالهيئة العامة لمساهمي الشركة، وبالتالي سيخرج بند تعيينه وتعويضاته من جداول اجتماعاتها.
تعليقات الفيسبوك