ميالة: سياستنا أمّنت الإستقرار وعززت صمود المواطنين
ميالة: سياستنا أمّنت الإستقرار وعززت صمود المواطنين
تعرض الاقتصاد السـوري خلال سـنوات الأزمة لاختلالات جوهرية غير مسـبوقة، حيث سُـجٍّل تراجع حاد في المؤشرات كافة، وازداد حدة مع تطور الأزمة وما شهدته المؤسسات من تدمير ممنهج طال مختلف القطاعات. وأدت الأزمة الى انكماش اقتصادي، فيما تركت العقوبات والحصار الاقتصاديين آثاراً سلبية مع تراجع الانتاج.
لكن الحكومة السورية تعمل اليوم على تجاوز الأزمة، حيث أكد رئيس اللجنة الاقتصادية الحكومية ووزير الاقتصاد والتجارة الخارجية السوري الدكتور أديب ميالة لمجلة البنك والمستثمر، أن الحكومة رشّدت الاستيراد لتخفيض فاتورته، مع المحافظة على الاحتياجات الأسـاسـية للمواطن واستبعاد المواد الكمالية، واستيراد مستلزمات الإنتاج لضمان عدم توقفه وتنشـيطه وفق الإمكانات المتاحة. وأوضح أن أولويات الحكومة تتركز اليوم على تحسين الوضع المعيشي للمواطنين والسعي الحثيث لتأمين متطلبات الصمود، حيث يجري العمل وبالتنسيق بين الوزارات لتحقيق الأهـداف التي وضعتها الحكومـة في المجالات والاقتصادية والاجتماعية والخدماتية والمؤسساتية.
وفي ما يلي نص الحديث:
كيف يبدو المشهد الاقتصادي في سورية اليوم؟
تعرض الاقتصاد السوري بفعل الأزمة منذ سنوات لاختلالات جوهرية غير مسبوقة، حيث سُجٍّل تراجع حاد في كل المؤشرات، إزدادت حدته مع تطور الأزمة وما شهده الاقتصاد الوطني من تدمير ممنهج طال مناحيه كافة، حيث سجل النمو معدلات سلبية، وارتفع التضخم بشكل حاد وتراجعت القوة الشرائية للمواطن، وزادت معدلات البطالة وعدد العاطلين عن العمل، كما تراجعت الصادرات وازدادت الحاجة للمستوردات لتلبية الطلب المحلي، فيما تعرضت البنية التحتية في سورية للتدمير الممنهج، بدءاً من تدمير الطرق والجسور والسكك الحديدية وخطوط نقل الطاقة الكهربائية وأنابيب نقل الغاز والنفط. ولا يمكن تقدير الخسائر المترتبة على هذا الأمر، لكن المؤكد أنها كبيرة جداً، وتحتاج إلى إمكانات مادية وبشربة كبيرة لإعادة إعمارها من جديد، خاصة وأنها تشكل العصب الرئيس لإعادة إقلاع الاقتصاد السوري.
هل يمكن تحديد إجمالي الخسائر التي تعرض لها الاقتصاد السوري في شكل تقريبي؟
لا يوجد أرقام دقيقة حول ذلك، وهذا الأمر طبيعي في ظل استمرار الارهاب في تخريبه وإجرامه، وعدم القدرة على الوصول إلى العديد من المناطق، إلا أن المسلّم به هو أن الخسائر كبيرة جداً، وأن فاتورة إعادة الاعمار ستكون باهظة جداً. وما زاد من حدة التأثيرات، العقوبات الاقتصادية المفروضة على سورية والشعب السوري والتي شملت كل القطاعات الاقتصادية، ولكن يمكن القول أن الأزمة التي تمر بها البلاد أدت إلى خسائر رأسمالية كبيرة طالت مختلف القطاعات الاقتصادية، والتي يمكن تبويبها بسبعة قطاعات.
أول القطاعات هو القطاع النفطي، حيث تسببت الأزمة بتوقّف إنتاج النفط نتيجةً لانسحاب الشركات الأجنبية والقيود المفروضة على التمويل والتأمين والصادرات. وقد أدى الانكماش في قطاع الصناعة الاستخراجية إلى تراجع حاد في المصدر الرئيسي للقطع الأجنبي، ما أجبر الحكومة على استيراد النفط الخام لتغطية النقص الحاصل في المشتقات النفطية في السوق المحلية، فيما أفرزت الأزمة تجميد الشركات الأجنبية أعمالها في سورية، وخسارة التكنولوجيا العاملة، بالتوازي مع سيطرة العصابات الإرهابية المسلحة على حقول النفط وسرقته وتهريبه بدعم بعض دول الجوار ومشاركتها، وعلى وجه التحديد تركيا.
أما ثانيها فهو القطاع المصرفي حيث كان الأثر ملحوظاً بسبب استهدافه المباشر بجزء كبير من العقوبات التي فُرضت على سورية، وقد واجهت معظم المصارف العاملة في سورية، نتيجة العقوبات المفروضة عليها، صعوبات بعدم توفر قنوات لتوظيف السيولة الفائضة لديها بالعملات الأجنبية في الخارج، ما أدى لتوقف عمليات التحويل، ووقف المصارف العالميّة كل العمليات العائدة لسورية مهما كان نوعها ومصدرها، مخالفين بذلك نصوص العقوبات ذاتها، ما أثّر على توفر الدواء وحليب الأطفال وكثير من المواد الأساسية، وكذلك إيقاف الشركات العالمية استخدام البطاقات المصرفية (Visa،MasterCard) وغيرها في سورية، بالتوازي مع امتناع عدد من المصارف المراسلة في الخارج عن تنفيذ أي عمليات مصرفية تخص سورية، كالاعتمادات والكفالات والقروض إلى جانب امتناع عدد من المصارف الخارجية عن التعامل مع المصارف المحلية، وتعسف بعض المصارف الخارجية في تطبيق قرارات العقوبات، ناهيك بارتفاع تكلفة فتح الاعتمادات والتحويلات والعمليات المصرفية، نتيجة الحاجة إلى تنفيذها عبر أكثر من مصرف وما يترتب على ذلك من عمولات إضافية في حال التسديد بعملة مختلفة عن العملة المتعاقد عليها بين الأطراف التجارية، ولجوء التجار إلى اعتماد حلول مصرفية ذات مخاطر عالية بسبب الصعوبات المترتبة على التحويلات المالية.
ماذا عن القطاعات المالية والصناعية والإنتاجية وسواها؟
القطاع المالي هو الثالث متأثراً بالعقوبات، فعلى صعيد السياسة المالية أدت العقوبات إلى زيادة العجز المالي بشكل كبير، وهذا حدث بسبب زيادة متطلبات الإنفاق وانخفاض الإيرادات وتعطيل وتدمير الجزء الأكبر من القطاع الإنتاجي والبنى التحتية وخروج جزء مهم من الاستثمارات الخاصة إلى الخارج، ما زاد الضغط على الموازنة العامة للدولة مقترناً بتراجع الإيرادات العامة من الموارد الطبيعية. أما بالنسبة للقطاع الصناعي والإنتاجي، فقد شهد القطاع الصناعي على وجه الخصوص تدميراً كبيراً طال المعامل والمنشآت الاقتصادية، ومثال ذلك المنشآت الصناعية في مدينة حلب، والتي تعرضت لعمليات السطو والسرقة من قبل العصابات الإرهابية المسلحة المدعومة من تركيا، باعتبار أن حلب كانت تشكل المنافس الأول للصناعة التركية. وفي ما يتعلق بقطاع التجارة الخارجيّة، فقد تراجعت حركة التصدير، لأنّها تأثّرت سلباً بالعقوبات المفروضة على سورية، وبالوضع الذي يشهده عدد من الدول العربية التي تشكل أسواقاً مهمةً للصادرات السورية، إضافةً إلى أنّ العقوبات المطبقة بحق الشعب السوري أدت إلى تراجع إضافي للصادرات السورية، حيث تراجعت قيمة الصادرات السورية عام 2015، 73 % مقارنة بعام 2011، ويُعزى هذا التراجع الكبير إلى توقف صادرات النفط بشكل شبه تام، والتخريب الإرهابي الواسع الذي طال القطاعات الإنتاجية الأخرى، والعقوبات الاقتصادية، كما اقترن هذا التراجع بتغير في هيكلية الأسواق الرئيسية للصادرات السورية، حيث تراجعت حصة دول الاتحاد الأوروبي من حجم التبادل التجاري والتي بلغت نحو 32 % في عام 2015، مقابل 61 % عام 2011، فيما ارتفعت نسبة التبادل مع الدول العربية إلى 24 % عام 2015 مقارنة بـ16 % في 2011.
وعن قطاع السياحة في سورية فهو يُعَدّ أكثر القطاعات تضرراً من الظروف الراهنة بسبب ارتباطه بالأمن والاستقرار بشكل مباشر، مع الإشارة إلى أن هذا القطاع شكل نسبة هامة من الناتج المحلي الاجمالي في فترة ما قبل الأزمة، في حين يعتبر قطاع التأمين ذو حساسية عالية تجاه تطور حجم المخاطر، خاصةً تلك التي نشأت مؤخراً في سورية نتيجة الأزمة الحالية، إلى جانب العقوبات المباشرة التي فُرضت على هذا القطاع والتي حدّت من مساحة عمله وقدراته، ما أدى الى ارتفاع أسعار التأمين على البضائع الواردة إلى سورية، وتوقّف بعض شركات التأمين العالمية عن اكتتاب تغطية النقل البري داخل سورية وحصر تغطيتها إلى الحدود السورية فقط.
ما الذي تغير في سلة المستوردات الاستهلاكية للمواطن، ومن ماذا تتكوّن؟
لقد طرأ تغيير على سلة المستوردات تبعاً لتغير السلة الاستهلاكية، ففي ظل ظروف الأزمة الحالية وضعف موارد القطع الأجنبي لجأت الحكومة إلى سياسة ترشيد الاستيراد لتخفيض فاتورة المستوردات، مع المحافظة على الاحتياجات الأساسية للمواطن السوري واستبعاد المواد الكمالية. وقد استمر السماح باستيراد مستلزمات الإنتاج لضمان عدم توقف العملية الإنتاجية وتنشيطها وفق الإمكانات المتاحة، وبالعودة إلى البيانات الأولية الواردة من الجمارك يُلاحظ اقتصار السلع الاستهلاكية للمواطن خلال الأزمة على المواد الغذائية الأساسية والتي تتكون توليفتها الرئيسية من الشاي والمتة والبن والرز والحليب المجفف وحليب الأطفال والتونة وسواها، في حين كانت التوليفة أوسع قبل الأزمة حيث كانت تشمل الأجبان والألبان والشوكولا والبسكويت والعصائر وسواها، مع ضرورة الإشارة إلى صعوبة الاستيراد وارتفاع التكاليف بسبب العقوبات والحظر المفروضين على الشعب السوري.
كيف أثّر ترشيد الاستيراد في سوق القطع الأجنبي؟
إن المتابع لتطورات سعر الصرف خلال الفترة الممتدة منذ الشهر الماضي يجد ميل سعر الصرف إلى الاستقرار النسبي عند مستويات مقبولة وعدم تجاوزه لسقف 550 ليرة سورية للدولار الأميركي، ويمكن تفسير هذا الأمر بنتيجة السياسة المتبعة حالياً في ترشيد الاستيراد من خلال الحد من استيراد المواد الكمالية والمواد المماثلة لتلك المصنعة محلياً، وتوفير المتطلبات الأساسية للإنتاج الصناعي والزراعي، وتأمين المواد الغذائية والضرورية لحياة المواطن في ظل ظروف الأزمة، مع الإشارة إلى ان هذه السياسة المتمحورة حول التركيز على توفير متطلبات الإنتاج الصناعي تتضمن على المدى المتوسط إحلال المنتجات المحلية مكان المنتجات المستوردة من جهة، وزيادة المنتجات القابلة للتصدير من جهة ثانية، وبالتالي التخفيف من استنزاف القطع الأجنبي وتحقيق تحسن أكبر في سعر الصرف. وبالتوازي مع ذلك، فقد ساهمت انتصارات الجيش العربي السوري وحتمية الحسم العسكري في عودة عمل بعض المدن الصناعية مثل “عدرا” في ريف دمشق، الأمر الذي حفّز الاتجاه نحو تشجيع العملية الإنتاجية، ما انعكس إيجاباً على سعر الصرف.
باشرتم لقاءات متعددة مع ممثلي دول أجنبية، هل من نتائج مبشرة ومن هم أبرز الشركاء التجاريين لسورية؟
بالطبع، لا بدّ من أن تكون نتائج أي لقاء مع ممثلي الدول الأخرى إيجابية، لأن هذا ما نسعى إليه وبقوة، وقد بدأت نتائج هذه اللقاءات تظهر من خلال المتابعات والمقترحات التي ترد الى وزارة الاقتصاد، سواء من البعثات السورية العاملة في الخارج أو من خلال بعثات هذه الدول العاملة في سورية، والتي بمجملها تتركز على المواضيع التي تطرحها الوزارة خلال هذه اللقاءات، مع توقعات بأن يتم جني ثمار هذه اللقاءات قريباً، بالتوازي مع السعي إلى توسيع شبكة هذه العلاقات لتشمل دولاً أخرى خلال المرحلة المقبلة.
وفي إطار التجسيد العملي لمنهج التوجه شرقاً، فقد تم التركيز على إعطاء الأولوية للاستيراد من الدول الصديقة، ولذلك فإنّ كلاً من روسيا الاتحادية والصين وإيران تأتي في طليعة الدول التي تستورد سورية منها. أمّا في ما يتعلق بالتصدير، فإن معظم صادراتنا يتوجه إلى الدول العربية، في حين ازدادت كمية الصادرات بشكل ملحوظ إلى روسيا وكذلك إلى إيران، وقد تأثر حجم صادراتنا إلى الأسواق العراقية التي تستحوذ على حصة هامة من الصادرات السورية نتيجة تضرر المعابر الحدودية بين البلدين.
التصدير عماد الاقتصاد حالياً، كيف تستقيم أموره وغالبية المنافذ التصديرية البرية تعاني من الإرهاب؟
مما لا شك فيه أن التصدير عماد الاقتصاد، وللنهوض بالاقتصاد خصوصاً في المرحلة الحالية، يجب العمل على تشجيع التصدير ودعم المنتجات المعدة للتصدير وإزالة الصعوبات والعوائق التي تعترض عمل المصدرين. وقد قامت هيئة دعم وتنمية الإنتاج المحلي والصادرات عبر وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية في سبيل ذلك بتأمين خط بحري منتظم من خلال التعاقد مع شركات شحن بحرية تؤمن نقل البضائع إلى بلد المقصد، مع معالجة مشكلة النقل بشكل عام وعلى المدى الطويل، وذلك بإعداد برنامج لإدارة النقل التصديري ودعمه يتضمن تحمُّل الهيئة جزءاً من تكاليف الشحن البحري بنسبة وشروط محددة، بالتوازي مع ضمان جودة الصادرات من خلال إصدار شهادة جودة من إحدى الشركات العالمية. وفي هذا السياق، يتم العمل حالياً على التباحث مع العديد من الشركات العالمية للمراقبة بخصوص ذلك، ناهيك بتوقيع مذكرة تفاهم مع شركات روسية لإقامة معرض دائم للمنتجات السورية المعدة للتصدير في روسيا الاتحادية لتنشيط التبادل التجاري بين سورية وهذه الدولة وتحسين جودة المنتجات ورفع قدرتها التنافسية، وتشجيع الاستثمار الموجه نحو التصدير، وكذلك المشاركة في المعارض الدولية التخصصية الهامة للترويج للصادرات السورية، وإيجاد الفرص التصديرية، ومساعدة الشركات السورية على اختراق الأسواق العالمية، وأيضاً العمل على استحداث قرى تصديرية.
ماذا عن المشروعات الصغيرة والمتوسطة وتمويلها لانعاش الإنتاج الوطني ودفع عجلته؟
لا شك في أن قطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة من أكثر القطاعات تأثراً بالأزمة التي تمر بها البلاد، إضافة لكونه من القطاعات القادرة بالفعل على دخول ثنايا الاقتصاد السوري والنهوض به نظراً لكون الاقتصاد السوري ليس اقتصاد المشاريع الضخمة والهائلة وإنما اقتصاد المشروعات الصغيرة والمتوسطة أيضاً، لذا كان لزاماً على وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية إيلاء هذا القطاع الاهتمام اللازم ليكون حجر الأساس في إعادة إحياء الاقتصاد السوري خلال السنوات المقبلة، باعتباره من القطاعات المولدة للدخل والقادرة في الوقت نفسه على توظيف عمالة كبيرة بغض النظر عن المستوى العمري والمؤهلات العلمية، كما سيؤدي تنشيط هذا القطاع إلى رفد خزينة الدولة بموارد مالية جديدة. وقد تطلب هذا الأمر من الوزارة العمل على محاور عدة، بدءاً بصياغة بنية قانونية مناسبة، وهو ما تحقق بإصدار القانون رقم2 للعام 2016 القاضي بإحداث هيئة المشروعات الصغيرة والمتوسطة ليكون الطريق إلى توحيد جهة الإشراف على هذا القطاع وتنظيمه، كما تم البدء بتوفير البيئة التنظيمية لعمل الهيئة والتي تعتمد بشكل أساسي على وضع تعريف لهذه المشروعات وفق رؤية موحدة متفق عليها من قبل كل الجهات المعنية ذات الصلة بعمل هذه المشروعات، حيث عقدت اجتماعات عدة مع الوزارات والجهات المعنية لوضع التعريف الخاص بالمشروعات وتم بنتيجة ذلك وضع صيغة نهائية لتعريفها باعتبار ذلك الخطوة الأولى لبناء البرامج وتصميم السياسات.
على صعيد آخر، وفي الإطار نفسه، شكلت الوزارة فريق عمل بإشرافها وبالتعاون مع هيئة دعم وتنمية الإنتاج المحلي والصادرات ووزارتي الإدارة المحلية والزراعة وجهات معنية أخرى، لدراسة واقع المشروعات في كل من قطاع المفروشات والقطاع الزراعي بشقيه الحيواني والنباتي كتطوير البدائل الإنتاجية في زراعات متعددة وزراعة التبغ وتربية دودة القز والنحل، ولإجراء مسح وتقييم لاحتياجات هذه القطاعات ودراسة الصعوبات التي تعترضها ووضع المقترحات اللازمة كخطوة تمهيدية للبدء باتخاذ الإجراءات المناسبة.
باعتباركم رئيساً للجنة الاقتصادية الحكومية، ما هي أبرز أولوياتها حالياً؟
تتمثل أولويات الحكومة اليوم وبشكل أساسي على ركيزتين أساسيتين، تحسين الوضع المعيشي للمواطنين، والسعي الحثيث لتأمين متطلبات الصمود. وبهذا الخصوص يتم العمل اليوم وبالتنسيق بين الوزارات كافة لتحقيق الأهداف التي وضعتها الحكومة وذلك في المجالات والاقتصادية والاجتماعية والخدمية والمؤسساتية، كما أن معظم القرارات والتوصيات الصادرة عن الحكومة تركّز اليوم على دعم العملية الإنتاجية والصناعية من خلال توفير مستلزمات الإنتاج الزراعي والصناعي وتحقيق معدلات نمو حقيقية قابلة للاستمرار عبر دعم مكونات الاقتصاد السوري التي تبلورت خلال الأزمة، وأهمها تشجيع عمل المشاريع الزراعية والصناعية والحرفية الصغيرة والمتوسطة وتقديم الدعم اللازم لها باعتبارها الداعم الأساسي لعملية النمو، إلى جانب ما يمكن أن توفره هذه المشروعات من فرص عمل حقيقية، وتحفيز الاستثمار عبر النظر بالتشريعات الخاصة به وتقديم التسهيلات المطلوبة ودخول القطاع العام كشريك حقيقي مع القطاع الخاص للقيام باستثمارات ذات بعد حيوي، وتقديم حزمة من اجراءات الدعم لإعادة إحياء الصناعات التي تم تدميرها خلال الأزمة.
وضمن الإطار نفسه تولي الحكومة زيادة كفاءة الإنفاق العام أهمية خاصة، عبر الحد من الهدر وتحفيز الإنفاق العام النوعي وتوجيهه بما يخدم تحفيز النمو وتخفيض كلفة الإنتاج، إلى جانب العمل على تحسين إدارة التجارة الخارجية وإعادة النظر بإجراءاتها بما يضمن تلبية الاحتياجات من المستوردات، وتشجيع التصدير من خلال دعم المنتجات القابلة للتصدير وإزالة عقبات العملية التصديرية، مع إيلاء الحكومة الجانب الاجتماعي اهتماماً ملحوظاً بتطوير منظومة للحماية الاجتماعية وزيادة مراكز الرعاية الاجتماعية، بالإضافة الى تطوير عمل صندوق المعونة الاجتماعية بالتركيز على دعم البرامج الإنتاجية. وقد تمّ مؤخراً بهذا الخصوص وضع آلية تنفيذية لمشاريع مقترحة من الصندوق الوطني للمعونة الاجتماعية، بالتوازي مع حرص الحكومة الواضح على متابعة تنفيذ الإجراءات اللازمة لتوفير الاحتياجات الوطنية من النفط الخام والغاز الطبيعي والمشتقات النفطية، وسعيها الحثيث لتلبية احتياجات المواطنين من المواد الأساسية.
هل تؤمن المناطق الحرة والمعارض ايرادات حقيقية للخزينة، أم تحتاجان الى المزيد من التطوير؟
لقد شهدت المناطق الحرة تطوراً ملحوظاً في أنشطتها المختلفة، وخاصة نشاط الخدمات بكل أنواعها في المنطقة الحرة في دمشق للعام 2016، حيث بلغت إيراداتها حتى 30 / 11 / 2016 نحو 2.9 ملياري ليرة سورية مقارنة مع إجمالي إيرادات عام 2015 بلغ 1.9 مليار ليرة، كما بلغت قيمة التبادل التجاري 58 مليون ليرة ورأس المال المستثمر 626 مليون دولار عائدة لنحو 1134 مستثمراً وهي تؤمن 6854 فرصة عمل، كما تم تحصيل مبلغ 4.1 ملايين ليرة كرسوم جمركية للخزينة العامة جراء التبادل التجاري فيها، وهي بالتالي تؤمن إيرادات حقيقية للخزينة العامة. كما تعمل المؤسسة العامة للمناطق الحرة على تطوير أدائها بشكل دائم لتكون حاضنة جاذبة للاستثمارات وذات تنافسية عالية للمناطق الحرة في الدول المجاورة، بما ينسجم مع رؤية الحكومة لدور المناطق الحرة في المرحلة المقبلة. ويتم العمل على متابعة تعديل نظام الاستثمار وتشجيع النشاط الصناعي، ودراسة إقامة مناطق حرة اقتصادية خاصة على نفقة القطاع الخاص وبتبسيط الإجراءات واستكمال أتمتة أعمال المؤسسة والحفاظ على الطاقة وترشيد الإنفاق بكل الأشكال.
أما بالنسبة للمؤسسة العامة للمعارض والأسواق الدولية، فتعتبر من المؤسسات الرابحة مالياً، إذ أن إيراداتها ذاتية وتغطي كل نفقاتها وتحقق فائضاً لخزينة الدولة، وقد بلغت مبيعات اليانصيب حتى 1 / 10 / 2016 ما يزيد على 2 ملياري ليرة سورية، ومن المتوقع أن تتجاوز المبيعات لنهاية 2016 نحو 2.5 ملياري ليرة مع سعي المؤسسة لتبلغ مبيعات اليانصيب في 2017 نحو 3 مليارات ليرة، في حين بلغت مبيعات اليانصيب الفوري “امسح واربح” حتى نهاية عام 2016 مبلغ 150 مليون ليرة، ومن المتوقع أن تصل المبيعات خلال عام 2017 إلى 400 مليون ليرة.
وبهدف استثمار أرض مدينة المعارض والمساهمة في حل أزمة المنشآت المتضررة والمستودعات الموجودة في الأماكن الساخنة فقد تم تأجير الصالات والساحات في مدينة المعارض خلال الظروف الراهنة، وقد بلغ حجم الاستثمارات في المدينة 300 مليون ليرة، ويتوقع أن تصل عائدات الاستثمارات فيها إلى 325 مليوناً خلال العام 2017.
***************************
#مجلة البنك و المستثمر
#العدد 193
#كانون الثاني 2017
تعليقات الفيسبوك