سوق السندات العالمية يعيش أسوأ أيامه

اهتزت أسواق السندات بإشارات البنوك المركزية إلى اقتراب موعد زيادات أسعار الفائدة، ما أدى إلى أكبر انخفاض في الأسعار منذ انزلاق الديون العالمية في بداية العام.

تخلص المستثمرون من السندات الحكومية في أعقاب اجتماعات السياسة الأخيرة في مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي وبنك إنجلترا الأسبوع الماضي، بعدما أشار كلاهما إلى استعدادهما إلى الاستجابة للضغوط التضخمية المتزايدة برفع تكاليف الاقتراض قصيرة الأجل.

في الوقت نفسه، أدى ارتفاع أسعار الطاقة في أوروبا – خاصة في المملكة المتحدة – إلى زيادة قناعة مديري الصناديق بأن قفزة التضخم ستستمر لفترة أطول مما توقعه محافظو البنوك المركزية.

قال ديكي هودجز، مدير صندوق السندات في “نومورا أسيت مانجمنت”، الذي كان يراهن ضد سندات الخزانة الأمريكية، “تحاول البنوك المركزية إقناعنا بأن التضخم مؤقت. بالنظر إلى الظروف أعتقد أنهم كانوا في حالة إنكار – إذا كان بإمكانك أن تريني شيئا واحدا أرخص اليوم مما كان عليه قبل الوباء، فسأفاجأ. لذلك أعتقد أن إعادة التقييم قد فات موعدها”.

بالكاد استجابت سوق السندات في البداية للأخبار الأربعاء الماضي بأن عددا متزايدا من مسؤولي الاحتياطي الفيدرالي يتوقعون ارتفاع أسعار الفائدة في العام المقبل، حين قال البنك المركزي الأمريكي إنه يمكن أن “يمضي قدما بسهولة” مع خطط إنهاء شراء السندات في وقت قريب ربما يكون في تشرين الثاني (نوفمبر).

لكن تحولا أكثر تشددا من بنك إنجلترا في اليوم التالي – مع إشارة البنك المركزي البريطاني إلى احتمال وصول الارتفاع قبل نهاية العام – أثار موجة بيع انتشرت بسرعة في الأسواق العالمية واستمرت هذا الأسبوع، ما دفع العوائد بحدة أعلى.
قال كيلسي بيرو، مدير محفظة الدخل الثابت في جيه بي مورجان لإدارة الأصول، “التحركات المستدامة أعلى في عوائد الخزانة (وهي) عادة ما تكون أكثر توجها عالميا. لا نرى أنه من قبيل المصادفة أن اجتماع بنك إنجلترا المتشدد تزامن مع هذه الخطوة الأعلى في الأسعار”.

الثلاثاء، ارتفع عائد سندات الخزانة الأمريكية لأجل عشرة أعوام، وهو مؤشر مرجعي للأصول المالية في جميع أنحاء العالم، إلى 1.55 في المائة ـ أعلى مستوى منذ حزيران (يونيو) ومن 1.31 في المائة في الأسبوع السابق.
كانت التحركات في المملكة المتحدة أكثر حدة. ارتفعت عائدات سندات الخزانة لأجل عشرة أعوام فوق 1 في المائة للمرة الأولى منذ آذار (مارس) 2020، أي أكثر من الضعف عن المستويات المعاد ترميزها في أواخر آب (أغسطس). حتى منطقة اليورو لم تسلم من ذلك، لأن أسعار الفائدة المرتفعة هي احتمال بعيد المنال. الثلاثاء ارتفع عائد السندات الألمانية لأجل عشرة أعوام إلى أعلى مستوى في ثلاثة أشهر، عند سالب 0.17 في المائة.

الانخفاض المصاحب في أسعار السندات يعني أن مؤشر باركليز العالمي للسندات الإجمالية – وهو مقياس واسع لديون الشركات والحكومات في جميع أنحاء العالم – انخفض 1.6 في المائة في أيلول (سبتمبر)، مسجلا أكبر انخفاض له منذ آذار (مارس).
صناديق التحوط التي تعمل “مستشارة في تداول السلع” التي تتبع توجه السوق، باعت ما يقارب 81 مليار دولار من ممتلكات الخزانة في الأسبوع الماضي مراهنة بذلك ضد السوق، وفقا لمحللي “سيتي”. بعد شهور من المراكز الدائنة الصافية في أسعار الفائدة على مستوى العالم، أصبحت المراكز الآن مكشوفة.

قال مستثمرون ومحللون إن بنك إنجلترا على وجه الخصوص مهد الطريق إلى إحياء ما يسمى “تداولات الانكماش”.
قالت ساندرا هولدسورث، رئيسة أسعار الفائدة في المملكة المتحدة في شركة إيغيون لإدارة الأصول، “أمضينا معظم هذا العام ونحن نعتقد أن بنك إنجلترا سيرفع أسعار الفائدة في وقت أبكر مما كانت تعتقده الأسواق، وقبل بنك الاحتياطي الفيدرالي. مع ذلك، تأكيد بنك إنجلترا الأسبوع الماضي أن أسعار الفائدة يمكن أن ترتفع قبل انتهاء برنامج شراء السندات في نهاية العام كان مفاجأة كبيرة”.

في خطاب ألقاه مساء الإثنين، لم يقم أندرو بيلي، محافظ بنك إنجلترا، بأي محاولة للتصدي إلى توقعات السوق برفع سعر الفائدة بحلول شباط (فبراير)، ما أدى إلى موجة جديدة من البيع. زيادة الفائدة إلى 0.25 في المائة بحلول كانون الأول (ديسمبر) ينظر إليها من قبل أسواق العقود الآجلة على أنها لعبة حظ.
يعتقد هولدسورث أنه ما لم تتسبب موجة أخرى من الفيروس في عمليات إغلاق جديدة، أو أن يؤدي انتهاء برنامج الإجازة الحكومية المدفوعة إلى تعطيل النمو، فحتى الارتفاع في تشرين الثاني (نوفمبر) أمر ممكن.
كانت عمليات بيع الديون في أوروبا مدفوعة جزئيا بارتفاع التوقعات بالتضخم طويل الأجل، ما أدى إلى تآكل مدفوعات الفائدة الثابتة التي تقدمها السندات.

ارتفع مقياس مراقب من كثب لتوقعات تضخم أسعار التجزئة خلال النصف الثاني من العقد المقبل إلى 3.85 في المائة في المملكة المتحدة، وهو أعلى مستوى في 12 عاما. المقياس المعادل لأسعار المستهلكين في منطقة اليورو عند أعلى مستوى في ستة أعوام، 1.81 في المائة.

ارتفعت أيضا توقعات الاحتياطي الفيدرالي بشأن التضخم في الولايات المتحدة. في بيان أعقب اجتماع الأسبوع الماضي، يتوقع مسؤولو الاحتياطي الفيدرالي أن يكون التضخم الأساسي عند 3.7 في المائة في 2021، ارتفاعا من تقديرات بلغت 3 في المائة في حزيران (يونيو). في العام المقبل، يتوقع بنك الاحتياطي الفيدرالي أن يبلغ التضخم 2.3 في المائة ـ تقديراته السابقة 2.1 في المائة. قال جاي باول، رئيس الاحتياطي الفيدرالي، في تصريحات أمام الكونجرس الأسبوع الماضي، إن التضخم قد يظل أعلى لفترة أطول، خاصة إذا استمرت مشكلات سلسلة التوريد.

قد تستمر توقعات التضخم في أوروبا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة في الارتفاع مع أسعار الطاقة. ارتفع خام برنت، معيار النفط العالمي، الثلاثاء فوق 80 دولارا للبرميل للمرة الأولى منذ أكثر من ثلاثة أعوام. وارتفعت أسعار السلع الأساسية الأخرى بما في ذلك الفحم والكربون والغاز الأوروبي إلى مستويات قياسية.

قال مايك ريدل، مدير محفظة في “أليانز جلوبال إنفسترز”، “يبدو أن المحرك المهيمن لعوائد السندات العالمية طويلة الأمد هو ببساطة أزمة الطاقة المتنامية”.
“هذا ليس منطقيا على الفور لأن أزمة الطاقة من المرجح أن تكون صدمة عرض قصيرة إلى متوسطة الأجل، وينبغي ألا تؤدي إلى أسعار فائدة أعلى من الناحية الهيكلية للبنوك المركزية. لكن الارتفاع الحاد في أسعار الغاز يوجد حالة من عدم اليقين بشأن التضخم على المدى الطويل، حيث يتم دمج علاوة المخاطر الإضافية هذه في عوائد السندات”.

تعليقات الفيسبوك

اضف تعليق