محادثات الهيركات وهيكلة المصارف ومصير الودائع

لا تزال تردّدات لقاءات وفد جمعية المصارف برئاسة رئيسها سليم صفير في باريس، محطّ متابعة لاستشفاف ما قد يشي بحلول قريبة أو حتى بعيدة للأزمة النقدية التي تطال للمرة الأولى، المصارف والمودِع في آن معاً. أما الفارق بين الإثنين أن الأولى تستشعر مخاطر تستهدف وجودها وتبحث بتأنِ عن آلية تمكّنها من الصمود فالاستمرار، والثانية تستعجل خرق فجوة ولو صغيرة تمكّنه من سحب ودائعه كي لا يذهب جنى عمره في غياهِب المجهول.

عاد الوفد المصرفي مؤخراً من العاصمة الفرنسية، مرتاحاً إلى الاستيضاح الذي قدّمه للجانب الفرنسي حول تساؤلات عدة شابتها الشكوك والمغالطات وُشي بها إليه، عمداً أم عن غير قصد. فزالت ضبابية الأرقام من الملف المالي لديه، ودَوّن باهتمام الأرقام والمقاربات التي طرحها وفد جمعية المصارف حول مواضيع عدة لخّصها نائب رئيس الجمعية نديم القصّار، كونه كان في عداد الوفد وبالتالي كانت له مداخلات عديدة في خلال اللقاءات مع بعض المسؤولين الفرنسيين المعنيين.
ولفت القصّار، إلى إثارة ملف الهيركات حيث شدد الوفد على أن لا جدوى من هذا الطرح كونه لا يفيد المودِع الذي على رغم اقتطاع نسبة محددة من أمواله فسيبقى عصيّاً عليه الحصول على المبلغ المتبقي، من هنا السؤال ماذا ينفع “تصفير” الحسابات، خصوصاً أن بعضها يستحق في العام 2040! وكيف اللجوء إلى هيكلة الديون بالليرة اللبنانية طالما أنها تتراجع تلقائياً مع تدني مستوى العملة الوطنية؟! من هنا لا لزوم للقيام بعملية حسابية غير مجدية، لا تفيد الاقتصاد إنما تلحق الضرر بالمودِعين.

هيكلة المصارف
واستغرب القصار ما طُرح عن ضرورة إعادة هيكلة المصارف وتقليص عددها، وتساءل كيف يكون ذلك وعددها الحالي 63 مصرفاً وفعلياً فعددها 33. ومنها يدخل ضمن مجموعة مصارف، وعلى سبيل المثال “فرنسبنك للأعمال” لا يُعَدّ مصرفاً مستقلاً. ومنها أيضاً 4 مصارف إسلامية صغيرة الحجم، و4 مصارف أجنبية كالـCity Bank وبنك الإمارات والبنك العربي، فيبقى 25 مصرفاً لبنانياً، 10 منها تمثل 85% من السوق. فأي هيكلة تصلح في هذه الحال؟
وتابع القصار: يتم شهرياً سحب ما مجموعه 500 مليون دولار نقداً من حسابات المصارف اللبنانية إلى خارج لبنان، وبالتالي تنخفض ميزانية المصارف شهرياً بما يعادل هذا المبلغ، إضافة إلى ذلك، يتم تسديد الديون من الودائع. في ضوء هذه الوقائع كيف يمكن القول إن حجم المصارف كبيرٌ على الاقتصاد الوطني؟ فماذا بقي من المصارف أصلاً؟

الهندسات المالية
أما بالنسبة إلى الهندسات المالية، التي استفاد منها مصرف أكثر من الآخر، في حين يتم شملها كلها في مشاريع الحل المطروحة، فأوضح القصار، أن مصرف لبنان ألزم المصارف المستفيدة من تلك الهندسات، عدم توزيع أرباحها بل إدخالها في رؤوس الأموال من أجل زيادة IFRS9 (تطبيقاً للمعايير المالية الدولية)، وبالتالي طارت رؤوس الأموال مع إعلان التخلف عن الدفع، وطارت كل الأرباح، الأمر الذي كان الجانب الفرنسي يغفله.

صندوق العقارات
ودحض الوفد المصرفي المعلومات “المضللة” التي بلغت الجانب الفرنسي من أن المصارف تريد عبر طرح إنشاء صندوق بعقارات الدولة غير المشغولة وغير الاستراتيجية، بيعها بأبخس الأثمان. وقال القصار في السياق، أوضحنا أننا لا نبغي أي عملية بيع من الموضوع، بل كل ما في الأمر الهدف منه على سبيل المثال، تأمين الأراضي للمشاريع الصناعية والإنتاجية والتي لا قدرة لأصحابها على تأمينها، وتأجيرها لهم بأسعار مقبولة، وبذلك يتم تشكيل نواة لبناء المصانع وتحريك عجلة الإنتاج بما يحرّك الاقتصاد ككل. والشيء نفسه بما يخص مشاريع الطاقة البديلة التي تتطلب توفير مساحات شاسعة من الأراضي.

الإصلاحات المأمولة
وفيما أكد الجانب الفرنسي أن الإصلاحات المطلوبة تستلزم تشكيل حكومة، عارض الوفد المصرفي هذا المبدأ، بحسب القصار، لاعتباره أن الإصلاحات تتطلب قراراً وإرادة وليس تأليف حكومة، إذ على سبيل المثال لا الحصر هل وقف التهريب، وتنظيم العمليات الجمركية وضبطها في المطار والمرفأ، يتطلب حكومة؟ أم قراراً جدياً بتطبيق القانون؟ من هذا المنطلق ندعم كقطاع مصرفي، الاستعانة بصندوق النقد الدولي ليس لأجل الأموال التي لن نقبض منها شيئاً، بل طَمَعاً بالإصلاحات التي سيفرض الصندوق تطبيقها.

التدقيق الجنائي
في المقلب الآخر من الملفات التي طُرحت على الطاولة الفرنسية، التدقيق الجنائي في مصرف لبنان الأمر الذي لم يعارضه الوفد المصرفي، والبنك المركزي لا مانع لديه من ذلك كما أكد القصار، لكن الوفد المصرفي لفت النظر إلى وجوب التدقيق في الحسابات التي حوّلها مصرف لبنان إلى الإدارات العامة والوزارات مثل وزارتَيّ الصحة والطاقة، فالتدقيق وَجُب على مَن تلقى الأموال وصرَفَها وليس فقط على البنك المركزي الذي أقرض الدولة وساهم في إعمار لبنان وأعطى قروضاً صناعية وسكنية مدعومة جعل 50 % من المواطنين اللبنانيين يتملكون منزلاً، الأمر الذي لا يتوفر في أي بلد في العالم، وذلك بهدف تأمين الاستقرار الاجتماعي.

التعميم 154
ولم تغفل المباحثات الباريسية تعميم مصرف لبنان الرقم 154، فأوضح القصار ما شرحه الوفد للفرنسيين عن ان هذا التعميم يحث على إعادة الأموال المهرّبة إلى لبنان، حتى لو عارضه البعض بسبب ثغرات قانونية تشوبه، يبقى هذا التعميم ذا جدوى كونه يعيد الأموال إلى المصارف اللبنانية، أما الثغرات فيتم العمل على إزالتها. وكانت جمعية المصارف أرسلت كتاباً إلى حاكم مصرف لبنان، طلبت فيه تحديد آلية تطبيق واضحة للتعميم تفادياً للوقوع في أي مشكلة مع العميل عند التنفيذ.

مصير الودائع
وكان المبعوث الفرنسي المكلف متابعة تنفيذ مقررات “سيدر” بيار دوكان أشار في محضر الاجتماعات المالية التي انعقدت في باريس مع جمعية المصارف، إلى أن المودِعين اللبنانيين قد لا يحصلون على كل اموالهم المودعة في المصارف.
وقال: “بينما هي مسألة مبدأ بالنسبة لجمعية مصارف لبنان أنه يجب ألا يتكبد المودعون أي خسائر، فإنه قد يكون من الصعب الدفاع عن هذا حتى النهاية. لكنها مسألة تفاوض”.
وقال مصرفي لبناني كبير شارك في المحادثات لرويترز، إنهم شعروا خلال اجتماعاتهم مع المسؤولين الفرنسيين التي تناولت مبادرة الرئيس بأنهم يدعمون ازدهار القطاع المصرفي، وأن الوفد المصرفي شدد في إطار الرد على أحقية إبقاء الأكزال للمودعين.
ويُظهر محضر الاجتماع أن ممثلي جمعية مصارف لبنان، ومنهم رئيس الجمعية سليم صفير، قالوا إن البنوك مستعدة للانضمام إلى “جهود جماعية” لحل الأزمة، وحددوا اقتراحات شملت تأييد إنشاء صندوق لحشد أصول الدولة.