المساهم هو مالك الشركة ولكنه الحلقة الأضعف فيها

رأي – بقلم الدكتور: زياد زنبوعه

قامت الشركات المساهمة العامة على مبدأ أساسي وهو نشر ومشاركة أكبر عدد ممكن من المساهمين في النشاط الاقتصادي، ولكن الواقع يقول أن القاعدة الواسعة من المساهمين، هم من صغار المساهمين، الذين لاحول لهم ولا قوة، أمام سيطرة قلة من المساهمين الكبار، وبعض أعضاء مجلس الإدارة على الشركة وتوجهها، بما يخدم مصالح هذه القلة، وكأنها شركة خاصة أو عائلية. والمشكلة لا تكمن في هذه الناحية فقط، وإنما أيضاً في هضم حقوق هذه القاعدة من المساهمين.

من خلال خبرتي العملية والنظرية في الشركات المساهمة – ولاسيما المدرجة في سوق دمشق للأوراق المالية، وعلى مدار أكثر من عقد من الزمن- أقول: أن هذه الشركات، هي البقرة الحلوب، لكل الأطراف المعنية بها، ماعدا المساهمين، وخاصة منهم أصحاب الملكيات الصغيرة.

فالمساهم تحمل سنوات عجاف كثيرة دون تحقيق عوائد (أرباح) أو عوائد شحيحة جداً، وفاقم هذا الوضع تآكل القيمة الحقيقية لتوظيفاته في الأسهم. بينما كل الأطراف الأخرى استفادت كثيراً من هذه الشركات، ومن هذه الأطراف نذكر ما يلي:

  1. الإدارات التنفيذية في هذه الشركات: حصلت على عوائد خرافية، حتى في ظل تعثر بعض هذه الشركات وتحقيقها للخسائر.
  2. مجالس الإدارة : معظمهم كان يحصل على تعويضات مجزية (ومكافآت أيضا في حال تحقيق ربح) وقلة منهم كان يتنازل عن تعويضاته في حال خسارة الشركة.
  3. الموظفون: كانت تعويضاتهم هي الأفضل، ليس بالمقارنة مع القطاع العام فقط، وإنما أيضاً مع مجمل القطاع الخاص.
  4. كبار المتعاملين والمتمولين: وهؤلاء كان لهم العديد من المكاسب غير المباشرة من هذه الشركات.
  5. المودعون والمدخرون في المصارف الخاصة: هؤلاء كانت لهم معاملة تفضيلية على حساب المساهمين.
  6. كل الجهات الوصائية: فهناك بدلات ورسوم تدفع لمرة واحدة أو بشكل سنوي لكل من: وزارة التجارة الداخلية، وهيئة الأوراق والأسواق المالية، و/أو هيئة الإشراف على التأمين، وسوق الأوراق المالية. علاوة على رسوم الإدراج في السوق المالية، ورسوم زيادة رأس المال، ورسوم تسجيل الزيادة في السوق المالية…إلخ، علاوة على الضرائب للمالية، والتي تتراوح نسبها مابين الـ 14% وتصل إلى الـ 25%، وذلك حسب طبيعة النشاط الاقتصادي لكل شركة. ولاننسى أيضاً المصرف المركزي، الذي يوجب على الشركات (المصارف) الاحتفاظ لديه بودائع مجمدة بنسبة 10% من رأسمال الشركة، لاتُسترد إلا في حال تصفيتها (القانون 28 لعام 2001)، وكذلك الإحتفاظ لديه باحتياطي نقدي إلزامي بنسبة 5% من متوسط الودائع لدى المصارف (الودائع تحت الطلب، وودائع التوفير، والودائع لأجل)..

كما نلاحظ فإن هذه الشركات كنز ثمين لخدمة وتمويل “الاقتصاد الوطني” ماعدا المساهم فهو فدا الاقتصاد الوطني.

قد يقول البعض أن ربح المساهم في قيمة سهمه في السوق، فلنتوقف قليلاً عند هذا الموضوع:

لنقارن أسعار الأسهم مابين عامي 2013 و 2019. وسآخذ عينة مكونة من سبع شركات تعد الأكثر تداولاً في سوق دمشق للأوراق المالية وهي التالية: بنك سورية الدولي الإسلامي، وبنك قطر، والمصرف الدولي للتجارة والتمويل، ومصرف سوريا والخليج، وبنك بيمو، ومصرف فرنسبك، وشركة العقيلة للتأمين التكافلي.

كانت أسعار الأوراق المالية لهذه الشركات السبع في عام 2013 تتراوح مابين الـ 100 ليرة سورية والـ 140 ليرة سورية (ماعدا بيمو فقد تجاوز قليلاً الـ 200 ليرة سورية). بينما أصبحت أسعار هذه الأوراق في نهاية 2019 كالتالي: بنك سورية الدولي الاسلامي 522 ليرة، وبنك قطر 316 ليرة، والمصرف الدولي للتجارة والتمويل 360 ليرة، ومصرف سوريا والخليج 310 ليرة، وبنك بيمو795، ومصرف فرنسبك 369 ليرة، وشركة العقيلة للتأمين التكافلي  312 ليرة.

أنا لن أقارن أسعار هذه الأسهم بالدولار مابين عامي 2013 و2019 كي لاأتهم بالترويج للممنوعات، من جهة أولى، ولقدرة أي مبتدئ على فعل ذلك بدون خبرتي من جهة ثانية. ولكني سأكتفي بالقول: أن وسطي ارتفاع أسعار هذه الأسهم (طبعاً بالليرة السورية) خلال الفترة المدروسة، هو حوالي أربعة أضعاف، ولايخفى على أي مواطن، أنه لا يوجد لدينا أية سلعة أو خدمة، ارتفعت خلال نفس الفترة، بأقل من ضعفين أو ثلاثة أضعاف ارتفاع هذه الأسهم. وهذه ضربة أخرى للمستثمر في القطر. بكلمة أخرى نقول: إن القوة الشرائية لليرة خلال الفترة المدروسة انخفضت بنسبة 90%، فإذا أردنا أن نقوِّم قيمة السهم اليوم بما كان يعادله في بداية الفترة المدروسة فإننا نقوم بالتالي: لنأخذ أي من الأوراق المالية المذكورة أعلاه على سبيل المثال، ولتكن الورقة الأولى: 522* (100%-90%) = 52 ليرة سورية، أي أن القيمة الحقيقية لهذه الورقة اليوم، تعادل حوالي نصف قيمتها في أول الفترة المدروسة.

أي أن المساهم خسر مرتين: خسارته الأولى كانت باضمحلال قيمة توظيفاته، وخسارته الثانية عوائده شبه المعدومة من الأسهم (الربح). وخسارته الثالثة وهو يرى كل الأطراف الأخرى متنعمة بماله وهو في النعيم يشقى.