النداف: الأولوية لتعزيز الأمن الغذائي في سورية
قال وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك في سورية الدكتور عاطف النداف أن الوزارة عمدت إلى إعادة هيكلة الكثير من القطاعات التابعة لها وتوحيد جهاتها المختلفة ذات طبيعة العمل الواحدة لتكثيف جهودها ورفع مستوى الأداء، معتبراً أن من شأن ذلك تخفيض التكلفة على الخزينة العامة للدولة وتعزيز الخدمات المقدمة للمواطن. وكشف في حديث لمجلة البنك والمستثمر عن خطة وضعتها الوزارة لرفع مستوى تحقيق الأمن الغذائي للمواطن وتعزيز الخدمات المقدمة إليه في مجال التجارة الداخلية، إلى جانب حمايته من ارتفاع الأسعار عبر إعادة هيكلتها بدءاً من سعر الاستيراد وصولاً إلى سعر المبيع.
ما هي رؤية الوزارة وأهدافها للمرحلة المقبلة؟
بعد سنوات من إجرام الإرهاب وتخريبه كان لا بد لوزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك -كما أية وزارة أخرى- من وضع خطة استراتيجية تضمن تجاوز ما مر بقطاعها من تحديات ناجمة عن الحصار الاقتصادي القسري المفروض على الشعب السوري، وعليه فقد وضعت الوزارة رؤية مستقبلية لها تتمحور حول الوصول إلى سوق تجارية داخلية منظّمة وفعالة، يسودها الاستقرار والمنافسة وخالية من الاحتكار وتضمن حقوق المستهلك والمنتج معاً، وتوفر أفضل المنتجات والخدمات بأنسب الأسعار في كل الأوقات وعلى اختلاف الظروف، وللوصول إلى ذلك وضعت الوزارة بنك أهداف بعيدة المدى، حيث تعمل على تحقيق التوجهات الحكومية وتراعي الحالة الاقتصادية والاجتماعية الراهنة بهدف تلبية التطلعات المستقبلية التي ينشدها المواطن والحكومة في مجال التجارة الداخلية، من خلال رفع مساهمة قطاع التجارة الداخلية في الناتج المحلي ورفع مستوى تحقيق الأمن الغذائي للمواطن إلى مستويات مرغوبة، إلى جانب تفعيل دور الرقابة في الأسواق لتعزيز المنافسة ومنع الاحتكار وتعزيز التدخل الإيجابي في الأسواق، والأهم العمل على حماية حقوق المستهلك.
من أين انطلقت الوزارة في تحقيق رؤيتها الاستراتيجية وأهدافها؟
بدأت الوزارة بتنفيذ حزمة من الإجراءات خلال الفترة السابقة كان من شأنها تحسين الأداء وتطويره، حيث نجحنا في تسريع إجراءات العمل في إحداث وتأسيس الشركات من حدود الشهر إلى ساعتين فقط، وكذلك منح وتسجيل العلامات التجارية من سنة إلى حدود ثلاث شهور فقط، مع وضع الأساس المتين للاستفادة من الاختراعات والإبداعات في المشاريع المتوسطة والصغيرة من خلال التوقيع على مذكرة تفاهم في هذا الشأن مع وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية، ناهيك بإعادة هيكلة المخابز للانطلاق نحو العالمية في عملها وذلك من خلال الحصول على شهادة الآيزو لتطبيق المواصفة ISO/IEC 17025 ، ويتم إبرام عقد مع أحد المراكز التخصصية لتأهيل ثلاثة مخابر وهي (حمص، دمشق، اللاذقية) للوصول للاعتماد الدولي في عمل المخابر بشكل فني عالي المستوى، وتقديم خدمات الاختبار لمجموعة من القرائن الأساسية للمنتجات المتداولة في الأسواق الوطنية والمستوردة والمعدّة للتصدير وبما يحقق ريعية اقتصادية كبيرة للوزارة.
للوزارة الكثير من الأملاك.. ألا تعد مورد مهم إن تم استثمارها بالشكل الأمثل؟
بالفعل ذلك.. حيث تم إعادة النظر في استثمارات وإيجارات أملاك الوزارة والتي لم يعد لها أي جدوى اقتصادية، من خلال إعادة العقارات المؤجرة للقطاع الخاص إلى الوزارة من مولات ومستودعات وصالات، وأعددنا قائمة بالعقارات المملوكة للوزارة والمؤجرة والمفردة، حيث تم إلغاء كل عقود الإيجارات بغية استثمارها وفق مبدأ التشاركية وقد باشرنا استثمارها وإعادة تفعيلها وفق المواصفات العالمية وبما يحقق ريعية اقتصادية لخزينة الدولة، كون هذه العقارات في مواقع استراتيجية ضمن الأسواق والمدن وتخدم فئة كبيرة من المواطنين، بالتوازي مع المضي قدما في مشروع المجمعات التنموية لزيادة مساهمة قطاع التجارة الداخلية في عملية التنمية الاقتصادية وتأمين فرص عمل محلية مستقرة قريبة من السكن، وتشجيع الاستقرار المحلي لصغار المنتجين الزراعيين والمشروعات الصغيرة، ويصل عددها إلى 11 مجمع تنموي بكلفة تقديرية تبلغ 11 مليار ليرة سورية لكل مجمع وهي منتشرة في ريف المحافظات السورية وتضم العديد من الأعمال الخدمية التي تخدم المنطقة كخطوط الفرز والتوضيب وبرادات التخزين ومنافذ البيع ومعامل الكونسروة والصيدليات العمالية وأسواق الهال، وقد تم تخصيص 4 مواقع ضمن حمص والسويداء وحماه وطرطوس وحالياً يتم العمل لإكمال التخصيص ببقية الأراضي.
الأسعار تبقى التحدي الأبرز من سعر الاستيراد إلى سعر المبيع. ماذا عنها؟
لا شك في ذلك، وقد كان على رأس أولوياتنا الوصول إلى سعر عادل ومنصف وإزالة التشوهات السعرية ومنع الاستيراد بأسعار وهمية، فقمنا بتشكيل لجنة مركزية لدراسة تكاليف مستوردات القطاع الخاص تضم مندوبي وزارة الاقتصاد والجمارك ومصرف سورية المركزي إضافة للجهات المعنية لدينا لدراسة التكاليف وتحديد الأسعار، وقد كان لعملها أثر كبير في عدم تفويت أي مبالغ لصالح الخزينة بخلاف السابق، وعززنا ذلك بتنظيم أسواق الهال لجهة ضبط حركة الدخول والخروج للسلع والمنتجات وآلية توزيعها في الأسواق المحلية، وإلزام جميع التجار بتداول الفواتير النظامية إضافة إلى منع حالات الاحتكار وايصال السلعة إلى المستهلك بالسعر الحقيقي، مما أدى إلى انخفاض أسعار الخضار والفواكه والمواد الأساسية بشكل ملحوظ في الأسواق، بالتوازي مع تكثيف التواجد الميداني المستمر لجميع عناصر حماية المستهلك في الأسواق ما أدى إلى ضبط العديد من المخالفات الجسيمة والنوعية والمتعلقة بالتزوير أو الغش في البضاعة أو احتكار مواد أساسية وتم اتخاذ الاجراءات القانونية بحق المخالفين. ومؤخرا فعّلنا الرقابة الاستقصائية من خلال التواصل المستمر مع المواطنين والجمعيات الأهلية والذي أدى إلى تفعيل ثقافة الشكوى وتعزيز الثقة بين المواطن والوزارة.
تبدو الوزارة ناشطة في توحيد الجهات ذات طبيعة العمل الواحدة.. ما الهدف من ذلك؟
من المؤكد أن توحيد عمل هذه الجهات من شأنه تخفيض التكاليف على الدولة إلى جانب توحيد ألية العمل بما يضمن رفع مستوى الأداء، حيث أعدنا هيكلة قطاع الحبوب الذي يشمل مؤسسة الحبوب وشركة الصوامع وشركة المطاحن وشركة المخابز، وذلك لتجميع تلك الجهات تحت مظلة واحدة وحصر العجز التمويني ضمنها، والتخفيف من التضخم الإداري الحالي بهدف خفض تكلفة إنتاج رغيف الخبز وإتباع أسلوب التخصص في العمل والاستثمار الأمثل للكادر البشري الموجود وأسطول النقل المتواجد لدى كافة تلك الجهات، وقد تم رفع تلك الدراسة مع مشروع المرسوم التشريعي والأسباب الموجبة لرئاسة مجلس الوزراء، كما أعدنا هيكلة مؤسسات التدخل الإيجابي سابقاً (مؤسسات الاستهلاكية والخزن والتسويق وسندس) من خلال دمج هذه المؤسسات في مؤسسة واحدة هي السورية للتجارة، لتخفيض تكاليف الإنتاج وزيادة السيولة النقدية وتوحيد السعر والتنوع في المنتجات وإعادة توزيع العمالة الفائضة، وزيادة الحصة السوقية بالتوسع الأفقي في إحداث منافذ وصالات البيع والتي بلغت أكثر من 1500 صالة ومنفذ بيع، ناهيك بتطوير عمل المخابز العامة من خلال مشروع الفرن المتنقل واستبدال العجانات العمودية بعجانات أرضية واعتماد دارة تحكم لتوفير 3,2 مليار ليرة في حال احتساب لتر المازوت على أساس 135 ليرة وتوفير 4,2 مليار ليرة في حال احتساب لتر المازوت 185 ليرة، وتوفير الكهرباء بحدود 1,44 مليار ليرة وتوفير استهلاك الزيت بحدود 600 مليون ليرة، مع التوسع الأفقي في عمل المخابز من خلال استمرار افتتاح مخابز آلية جديدة وفق حاجة كل منطقة.
أين وصلتم في تهيئة البنية التحتية لقطاع القمح التمويني؟
لقد كانت البداية في تخفيض أجور نقل القمح من خلال إبرام عقد بالتراضي مع المؤسسة العامة لإنشاء الخطوط الحديدية لتنفيذ الأعمال الإنشائية في صومعة حبوب شنشار بحمص، وإبرام عقد بالتراضي بين مع الشركة العامة للطرق والجسور لدراسة وتنفيذ تفريعة الخط الحديدي من محطة شنشار إلى صومعة الحبوب في شنشار، ومتابعة أعمال صومعة عدرا على الخطة الإسعافية إنشائياً مع شركة الطرق والجسور وألياً مع شركة روسية، بالتوازي مع زيادة الطاقة التخزينية والطحن من خلال متابعة تنفيذ عقد مع الشركة الروسية لتجهيز مطحنة تلكلخ بحمص بطاقة إنتاجية تبلغ 600 طن في اليوم، وعقد مع شركة إيرانية لإنشاء خمسة مطاحن بطاقة إنتاجية تبلغ 1420 طن يومياً.
ما هي أبرز التحديات والصعوبات التي واجهت الوزارة في النهوض بقطاع التجارة الداخلية؟
ليس المشهد مشرقاً بالكامل بل واجهت الوزارة العديد من الصعوبات لتجاوز تحديات عملها، ولا يخفى أن ارتفاع سعر القطع للمواد المستوردة والمواد الأولية الداخلة في تصنيع المواد المحلية ومستلزمات الإنتاج أبرز الصعوبات، ناهيك بارتفاع أسعار المواد المستوردة من بلد المنشأ، وارتفاع الأسعار بسبب انخفاض الانتاج وخروج الكثير من المعامل ومراكز الانتاج من الخدمة نتيجة الإرهاب، ما فرض الاعتماد على بعض السلع المستوردة، إلى جانب العقوبات الاقتصادية المفروضة على سورية وما سببته من تحديات في تأمين مستلزمات عمل المطاحن والصوامع والمخابز مثلاً، وكذلك زيادة أجور النقل حتى بين المحافظات، وحاجة بعض التشريعات الإدارية والقانونية والمالية الناظمة لعمل المؤسسات التابعة للوزارة للتعديل لتواكب النشاط الاقتصادي الحالي، وأخيراً ضرورة تطوير منظومة الشحن لدى الوزارة، حيث أن معظم سيارات النقل والشحن في المؤسسات والشركات قديمة وتحتاج لصيانة مستمرة.
__________________________
مجلة البنك والمستثمر
العدد 231
تعليقات الفيسبوك