أفق جديد للشراكة الروسية مع السعودية والإمارات

عندما حطت طائرة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على أراضي المملكة العربية السعودية منتصف أكتوبر/ تشرين الأول 2019، كانت الأمور تسير تدريجياً نحو بناء صفحة جديدة من العلاقات الثنائية. خطوةٌ كبيرة كما وصفها مراقبون على كل الأصعدة السياسية والاقتصادية والعسكرية. ومن الرياض إلى أبو ظبي كانت رحلة بوتين الثانية، ينهي فيها الرئيس الروسي يومين حافلين بعشرات الاتفاقيات وقيمة تجاوزت مليارات الدولارات.

 

إشادة بالعلاقات السعودية الروسية 

كل شيء كان يدل على أن الزيارة لن تكون عادية، كيف لا وهي الزيارة الأولى لبوتين إلى السعودية منذ العام 2007. ومن لحظة دخوله مطار الملك خالد الدولي بدت حرارة الاستقبال السعودي بالظهور، بداية مع إطلاق المدفعية 21 طلقة ترحيبية، ثمَ سار معه فرسان الحرس الملكي رافعين أعلام البلدين، ليستقبله بعدها في قصر اليمامة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهده محمد بن سلمان.

أشاد الملك سلمان بالعلاقات الثنائية مع روسيا في شتى المجالات، واعتبر أن هذه الزيارة وما يتخللها من مباحثات تمثل فرصة كبيرة لتمتين أواصر الصداقة والروابط بين البلدين وتعميقها، والوصول إلى تطابق في الرؤى والمواقف السياسية. وقال: “تقدر المملكة العربية السعودية لروسيا دورها الفاعل في المنطقة والعالم، ونتطلع للعمل معكم دوماً في كل ما من شأنه تحقيق الأمن والاستقرار والسلام، ومواجهة التطرف والإرهاب، وتعزيز النمو الاقتصادي. وإن ما سنعمل عليه من فرص استثمارية وتجارية مشتركة بين البلدين من خلال توقيع العديد من الاتفاقيات خصوصاً في مجال الطاقة، سيكون له نتائج إيجابية كبيرة على مصالح بلدينا وشعبينا”.

الرئيس الروسي بدوره أثنى على عمق العلاقة بين البلدين، مؤكداً أن زيارة خادم الحرمين الشريفين لروسيا في عام 2017 أسهمت في ترسيخ العلاقات وزيادة التعاون والتبادل التجاريين بين البلدين. ورحب بوتين بنجاحات عمل اللجنة الحكومية المشتركة وتأسيس المجلس الاقتصادي بمشاركة عدد من كبار رجال الأعمال والوزراء من الدولتين، والمشاركة في اجتماعه الأول الذي بحث أهم مجالات التعاون الثنائي والمستقبلي وتبادل الآراء حول الملفات الدولية، معرباً عن تمنياته أن تدفع زيارته للمملكة في تطوير وتعزيز العلاقات الروسية- السعودية.

اللجنة الاقتصادية المشتركة

الكلام المعسول وخطاب النوايا تمثل على أرض الواقع مع اجتماع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان والرئيس بوتين، ثمّ ترأسهما الاجتماع الأول للجنة الاقتصادية السعودية الروسية، في حضور أكثر من 400 ممثل من الجهات الحكومية والخاصة وقادة الأعمال السعودية والروسية. وقد أكد ولي العهد السعودي خلالها أهمية استمرار التعاون وبناء الشراكة الاستراتيجية بين البلدين الصديقين، وبحث العديد من الفرص المتاحة وتنميتها، والمزيد من المشروعات الاستثمارية والإنتاجية المشتركة، بما يتوافق مع رؤية المملكة 2030. أما الرئيس الروسي، فقد نوه أن كبار الشركات السعودية الروسية المشاركة تقوم بدور رئيسي في الاقتصاد بين روسيا والمملكة العربية السعودية، مشيداً بالتعاون الناجح بين الصندوق الروسي للاستثمار وصندوق الاستثمارات العامة، مضيفاً بأنه انطلاقاً من رؤية المملكة 2030 نأمل في استفادة رجال الأعمال الروس من هذه الرؤية، وفق ما نقلته وكالة الأنباء السعودية.

20 اتفاقية

تمخضت التفاهمات إلى توقيع 20 اتفاقية، شملت التعاون في مجال الرحلات الفضائية، وبروتوكول للتعاون في مجال الطاقة، والمجال الثقافي، والمجال الصحي، والسياحة، ومذكرة تفاهم في مجال تشجيع وحماية الاستثمارات بين البلدين، واتفاقية لإنشاء ملحقية تجارية بين السعودية وروسيا، ومذكرة تفاهم في توسيع تصدير البضائع الغذائية الروسية إلى السعودية، واتفاقية تعاون بين «سالك» وصندوق الاستثمارات الروسي المباشر لبحث الفرص الاستثمارية في قطاعي الزراعة والغذاء، وتسهيل منح تأشيرات الدخول لمواطني البلدين، ومذكرة تفاهم للتعاون في مجال وسائل الإعلام، وأخرى للتعاون الفني في مجال الإدارة الضريبية مع الهيئة الضريبية في روسيا، واتفاقية تأكيد بين «أرامكو السعودية» وصندوق الاستثمار المباشر الروسي و«روسنانو» لشراء حصة أسهم «روسنانو» في شركة «نوفوميت»، وتبادل اتفاقية مشروع الميثانول في منطقة «أمور» في روسيا، كما تم تبادل مذكرة تفاهم بين «معادن» وشركة «فوس آجرو» للشراكات الاستراتيجية في مجال صناعة الأسمدة الفوسفاتية.

بوتين في أبو ظبي

بعدما أنهى الرئيس بوتين زيارة الرياض، سرعان ما حطت طائرته في دولة الإمارات العربية المتحدة. الإمارات بدورها كانت على أهبة الاستعداد، ولا شيء يؤكد حفاوة الزيارة أكثر من المبادرة الإماراتية بجعل السيارات التي رافقت بوتين تحمل كتابة “ДПС” وهي حروف اسم شرطة المرور الروسية، وقيام شرطة أبو ظبي بتزيين مجموعة من دورياتها بأعلام دولة الإمارات العربية المتحدة وروسيا.

كلمة محمد بن زايد

أولى الجلسات كانت مع ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد في قصر الوطن، في حضور وفدي البلدين.

إن العلاقات التاريخية بين دولة الإمارات وجمهورية روسيا الصديقة أصبحت ثمارها واضحة من خلال تعاونهما المشترك في المجالات كافة، هكذا وصف محمد بن زايد علاقة بلاده مع روسيا. أضاف: العلاقات الإماراتية – الروسية متجذرة ومتنامية وتقوم على الثقة والاحترام المتبادل وتستند إلى إرث ثري من التعاون والتواصل والزيارات المتبادلة والمصالح المشتركة، وهناك حرص كبير من قبل دولة الإمارات بقيادة الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، على تطوير هذه العلاقات وتقويتها واستثمار ما يتوفر لها من مقومات وإمكانات كثيرة ومتنوعة للنمو والازدهار في المجالات المختلفة”.

وأكد أن إعلان الشراكة الاستراتيجية التي وقعها البلدان خلال العام 2018، والتي تشمل المجالات السياسية والأمنية والتجارية والاقتصادية والثقافية والإنسانية والعلمية والتكنولوجية والسياحية وغيرها، كانت بمثابة نقلة نوعية في مسار العلاقات الإماراتية – الروسية، وهو ما يعبّر عن توفر إرادة سياسية مشتركة للارتقاء بهذه العلاقات ودفعها إلى آفاق أرحب. كما يمثل هذا الإعلان إطاراً أساسياً للعمل المشترك من أجل مستقبل أكثر ازدهاراً للعلاقات بين البلدين خلال الفترة المقبلة.

وعن أسواق النفط، لفت ولي عهد أبوظبي إلى أن البلدين طرفان أساسيان في العمل على استقرار وتوازن سوق الطاقة العالمي من خلال الحرص على أمن إمدادات الطاقة والتعاون في ما يخص أسعار النفط، ويتفقان حول ضرورة التصدي لخطر التطرف والإرهاب والقوى التي تقف وراءه وتدعمه باعتباره أكبر تهديد للسلم والاستقرار والأمن على الساحة الدولية ومصدراً للكراهية والتعصب بين الأمم والشعوب.

علاقات متينة

الرئيس بوتين تطرق إلى أن العلاقات الثنائية بين الإمارات وروسيا تواصل تطورها في جو ودي وبناء، والعلاقات التجارية بين البلدين تتسع وتشمل مختلف الجوانب. والبلدان شركاء في العديد من الاستثمارات خاصة في مجال الطاقة والطاقة النووية السلمية، إلى جانب التنسيق بين سياسات البلدين في أسواق النفط والتعاون في مجال علوم الفضاء. كما لفت إلى أن أعداد السياح الروس إلى الإمارات ازدادوا بنسبة 23% في العام 2018، وأنفقوا نحو 1.3 مليار دولار، وهو رقم قريب من حجم التبادل التجاري بين البلدين، والذي بلغ نحو 1.7 مليار دولار في 2018.

شركة مبادلة للاستثمار «مبادلة»  والصندوق الروسي للاستثمار قدما عرضاً أمام الزعيمين حول أهم صفقات الاستثمار المشتركة بينهما. ووفقاً لما نقلته وكالة الأنباء الإماراتية، فقد وسعت «مبادلة» عملياتها في روسيا منذ عام 2013 عندما أنشأت منصة مشتركة للاستثمار بقيمة 7 مليارات دولار مع الصندوق الروسي للاستثمار المباشر، وبلغ إجمالي الاستثمارات التي قامت بها بالشراكة مع صندوق الاستثمار الروسي المباشر حتى اليوم أكثر ملياري دولار في أكثر من 45 صفقة في روسيا. وخلال عام 2014 أنجزت «مبادلة» أول استثمار مشترك مع الصندوق الروسي للاستثمار المباشر، وهو استثمارها في بورصة موسكو. كما استثمرت «مبادلة»  في العام 2017 في المطار الرئيسي في سانت بطرسبرغ.

الصفقات المنجزة

العديد من الصفقات كانت حصيلة اللقاءات الثنائية بين بوتين ومحمد بن زايد، أبرزها كان توقيع مذكرة تفاهم بين وزارة الطاقة والصناعة في دولة الإمارات ونظيرتها الروسية. ومذكرة تفاهم بين مؤسسة الإمارات للطاقة النووية والمؤسسة الحكومية للطاقة النووية الروسية في مجال الاستخدام السلمي للطاقة النووية.

كما شملت المراسم تبادل اتفاقية امتياز “غشا” بين شركة بترول أبو ظبي الوطنية «أدنوك»  و«لوك أويل»، ومذكرة تفاهم بين «مبادلة» وصندوق الاستثمار المباشر الروسي لبحث الاستثمارات في قطاع الذكاء الاصطناعي، إضافة إلى اتفاقية إطارية للتعاون الاستراتيجي بين شركتي «أدنوك» و«غاز بروم» الروسية. وأعلن صندوق الاستثمار المباشر الروسي أنه سيوقع عشر اتفاقيات استثمارية تتجاوز قيمتها 1.3 مليار دولار مع شركاء من الإمارات.