تقرير : الاقتصاد التونسي .. التدهور والأسباب
تواجه تونس صعوبات اقتصادية منذ أحداث 2011 التي أطاحت بنظام زين العابدين بن علي، لاسيما مع انخفاض إيرادات السياحة وتأثر القطاعات الحيوية وتراجع إيرادات الضرائب، الأزمة الاقتصادية دقت ناقوس الخطر في الدولة ودفعت بالجهات المعنية للبحث عن حلول لإيقاف هذا الوضع الذي انعكس على أحوال الموطنين.
الأنظار اليوم تتوجه للحكومة التونسية، وتتعالى الدعوات لضرورة اتخاذ إجراءات مضادة للتدهور، في ظل توقعات متشائمة بزيادة عجز الميزانية بنحو 2.9 مليار دينار(1.32 مليار دولار) هذا العام ليصل إلى 6.5 مليار دينار(2.92 مليار دولار) بنهاية العام الحالي.
القطاع السياحي
ومع كون القطاع السياحي في تونس من أهم موارد الدولة، فإن تراجعه كان سبباً رئيساً في تفاقم الحالة الاقتصادية، هذا ما أشار إليه الديوان التونسي للسياحة، حيث بين أن مؤشرات السياحة للأشهر الثمانية الأولى من العالم الحالي خالفت جميع التوقعات، وذلك بتسجيل تراجع بنسبة 3 %، مقارنة مع الفترة نفسها من العام الماضي، وبنسبة 31.7 % مقارنة مع 2014. وزار تونس (2.915000) سائح خلال الأشهر الثمانية من السنة الحالية، في حين أن الفترة نفسها من العام الماضي عرفت تدفق ما لا يقل عن 3 ملايين سائح. ويعود هذا التراجع الكبير إلى تأثير العملية الإرهابية التي عرفها أحد الفنادق السياحية بسوسة نهاية شهر يونيو/حزيران 2015، الذي خلف نحو 40 قتيلا أغلبهم من الرعايا البريطانيين، وهو ما دفع إلى منع توجه البريطانيين إلى تونس. كما تراجع عدد السياح الفرنسيين والألمان.
في المقابل، أكدت وزيرة السياحة سلمى اللومي، أن توافد السياح الروس ساهم بقسط وافر في إنقاذ الموسم السياحي، حيث قدر عددهم منذ بداية السنة الحالية حتى العاشر من يونيو/حزيران الماضي بنحو 108 آلاف سائح، ومن المنتظر أن يتجاوز عددهم 500 ألف خلال هذا الموسم السياحي. وهو ما اعتبره المستثمرون في القطاع السياحي متنفساً للسياحة وليس حلا جذريا للأزمة، ونوهت اللومي إلى أن التعافي النهائي يتطلب بعض الوقت والكثير من الجهد لترويج الوجهة السياحية التونسية من جديد. وتمكن القطاع السياحي خلال الفترة الممتدة بين الأول من يناير/كانون الثاني و31 أغسطس/آب الماضي، من تحقيق عائدات إجمالية مقدرة بنحو 1766 مليون دينار تونسي (أكثر من 800 مليون دولار) مقابل 1550 مليون دينار تونسي (701.8 مليون دولار أميركي) خلال نفس الفترة من السنة الماضية.
تقليص الإنفاق العام
وفي جانب الإجراءات الحكومية لدعم الاقتصاد، أعلن رئيس الوزراء التونسي يوسف الشاهد تخفيض المنح والامتيازات المخصصة لوزراء حكومته، في خطوة رمزية تهدف إلى تقليص الإنفاق العام في ظل هذه الأزمة. ورجحت أوساط اقتصـاديـة أن تمهـد هذه الخطـوة لإعـلان إجـراءات تقشــف “قـاسيـة” كـان الشـاهـد تعهد باتخاذها إذا استمرت مصاعب الاقتصاد التونسي. وقالت الحكومة في بيان لها إن “رئيس الوزراء يوسف الشاهد قرر خفض رواتب كل وزرائه بنسبة 30 %”، مشيرة إلى خفض رواتب 40 وزيراً وكاتب دولة (وزير دولة) بحوالي 500 دولار شهرياً، كذلك تمّ تخفيض حصة الوقود المسندة إلى كافة أعضاء الحكومة بنسبة 20 %. ونوهت رئاسة الحكومة إلى أن التخفيض تم في إطار الاتفاق مع جميع الوزراء وكتاب الدولة في إطار التضامن بين أعضاء حكومة الوحدة الوطنية مع تونس. ونقلت وكالة رويترز عن مسؤول حكومي، لم تسمّه قوله “إن الخطوة المقبلة قد تكون خفضاً في منح كبار المسؤولين الحكوميين في إطار خطط رامية إلى إرساء حوكمة رشيدة بهدف إعطاء رسائل إيجابية للشعب التونسي”.
قانون طوارئ اقتصادي
وكانت الحكومة التونسية عرضت قانوناً جديداً على أنظار اللجان البرلمانية بهدف دفع النمو الاقتصادي، يقضي بضرورة التعجيل بإيجاد حلول لمشكلات الاستثمار، وتراجع النمو وضعف الصادرات، وتنامي العجز التجاري، في خطوة اعتبرت ضرورية لتقوية الوضع الاقتصادي الهش الذي عرفته تونس خلال السنتين الأخيرتين على وجه الخصوص. وينص القانون الجديد على تمكين الأشخاص العموميين من إبرام لزمات وعقود شراكة اقتصادية بين القطاع العام والقطاع الخاص عن طريق التفاوض المباشر، إذا تعلق الأمر بإنجاز مشروعات كبرى أو مشروعات ذات أهمية، دون أن يحدد طبيعة تلك المشروعات. ووصف يوسف الشاهد هذا القانون بأنه “قانون الطوارئ الاقتصادية”، في إشارة إلى ضرورة التعجيل بالتصديق عليه بهدف ضخ دماء جديدة إلى المؤسسات الاقتصادية وتوفير أرضية أفضل للاستثمار في تونس.
القانون الجديد الذي تمّ تمريره لاحقاً في البرلمان “بالموافقة” لاقى جدلاً كبيراً في الأوساط البرلمانية، على الرغم من أهمية هذا الإجراء وضغط الحكومة من أجل التسريع بتمريره، وبرزت إثر عرضه للمرة الأولى نقاط خلافية كثيرة بين مختلف الكتل البرلمانية، إضافة إلى مطالبة الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة (نقابة رجال الأعمال) بضرورة إجراء تعديلات كثيرة على قانون دفع النمو الاقتصادي، شرطًا للموافقة عليه. كما لاقى هذا القانون الجديد مجموعة من الانتقادات على مستوى اللجان البرلمانية، من بينها الطريقة المعتمدة في تغيير صفة الأراضي المرتبة ضمن مناطق الصيانة والمناطق الفلاحية الضرورية لإقامة المشروعات الكبرى، إذ إن القانون الجديد يؤكد على ضرورة اتخاذ قرار التوصيف بشكل مشترك بين الوزير المكلف بالفلاحة ونظيره المكلف بالتجهيز، بدل الرجوع إلى أمر حكومي أو عرض الملف على البرلمان، وهو ما اعتبر تضارباً في المصالح، وظهور التخوفات حول شبهة التفويت في الأملاك العمومية للقطاع الخاص تحت ذريعة الحاجة للاستثمارات.
وفي باب الصفقات العمومية، تخشى منظمات عدة مهتمة بملفات الشفافية والفساد من تضمين شروط (تفصيلية وعلى القياس) لفائدة أطراف مستعدة لاستغلال الظرف الاقتصادي الصعب الذي تمر به تونس لتحجيم دور الدولة، خصوصا بعد اشتراط المراقبة الإدارية بعد حصول توافق حول اللزمات والصفقات العمومية.
وفي تعليقه على الموضوع، قال عضو لجنة المالية والتخطيط في البرلمان التونسي فتحي الشامخي، إن قانون دفع النمو الاقتصادي في الصيغة التي قُدم بها من قبل الحكومة، لن يمثل العلاج المناسب للوضع الاقتصادي الصعب في تونس، وقد يساهم بطريقة غير مباشرة في تعميق الأزمة الاجتماعية المرتبطة بالعوامل الاقتصادية.
المؤسسات الصغرى والمتوسطة
وكنتيجة للحالة الاقتصادية أيضاً، أعلنت رئيسة نقابة رجال الأعمال وداد بوشماوي (منظمة مستقلة) أن نحو 50 % من المؤسسات الصغرى والمتوسطة في تونس مهددة بالاندثار في غضون السنتين المقبلتين، إذا لم تسارع الحكومة باتخاذ إجراءات عاجلة لإنعاش الاقتصاد المحلي وضخ دماء جديدة في النسيج الاقتصادي. وأكدت بوشماوي خلال مؤتمر نظمته نقابة رجال الأعمال تحت عنوان “أي مستقبل للمؤسسات الصغرى والمتوسطة في تونس؟” على أهمية هذه النوعية من المؤسسات في دعم الاقتصاد التونسي والحفاظ على موارد الشغل والمساهمة الفعالة في التنمية. مشيرةً إلى أن القطاع الخاص في تونس له دور حيوي في التنمية وهو المساهم الأول في الاستثمار بنسبة تقدر بـ62 %. كما يحتل القطاع الخاص المكون في معظمه من مؤسسات صغرى ومتوسطة المرتبة الأولى على مستوى التشغيل بنسبة 80 % من عدد المواطنين الناشطين في تونس، كما يستحوذ على نسبة 70 % من مجموع عمليات الصادرات.
وفي نفس السياق، قال المختص في هذا المجال نور الدين الحاجي: إن الصعوبات التي تواجه المؤسسات التونسية تتمثل على وجه الخصوص في تدهور الإطار العام السياسي والاقتصادي والاجتماعي، الذي يُعتبر غير ملائم للعمل والإنتاج وخلق الثروات، مما يُشكل صعوبات كثيرة أمام مجموع الاستثمارات الموجهة إلى الاقتصاد المحلي. وأشار الحاجي إلى ظاهرة “الفساد” في عدد من القطاعات الاقتصادية وتفاقم مشكلة الاقتصاد الموازي الذي بات يُمثل نحو 53 % من إجمالي النشاط الاقتصادي، علاوة عن الأوضاع الاجتماعية المؤدية إلى تهميش العمل، مع تعالي الأصوات المطالبة بزيادة الأجور، مع ضعف الإنتاجية.
جدير بالذكر أن مديونية تونس بلغت في العام الجاري 56 مليار دينار (25.5 مليار دولار أميركي)، وكانت قبل خمس سنوات لا تتجاوز 25 مليار دينار (11.5 مليار دولار). وذهبت تلك القروض لسداد أجور الموظفين المتزايدة وقروض سابقة وبنسبة ضئيلة للاستثمار.
تعليقات الفيسبوك